أن تكون (١) استئنافية جوابا لمن سأل عن ذلك وأن تكون حالية أي مبتدعين لها (٢).
فإن قيل : قال إبراهيم لقومه : (اعْبُدُوا اللهَ) ، وقال لوط لقومه هاهنا : «أإنكم (لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) ولم يأمرهم بالتوحيد ، فما الحكمة؟
فالجواب : أنه لما ذكر الله لوطا عند ذكر إبراهيم كان لوط في زمن إبراهيم فلم يذكر عن لوط أنه أمر قومه بالتوحيد مع أن الرسول لا بدّ أن يقول ذلك فحكاية لوط وغيرها هاهنا ذكرها الله على سبيل الاختصار فاقتصر على ما اختص به لوط وهو المنع من الفاحشة ، ولم يذكر عنه الأمر بالتوحيد ، وإن كان قاله في موضع آخر حيث قال : (اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ)(٣) ؛ لأن ذلك قد أتى به إبراهيم ، وسبقه فصار كالمختصّ به ، وأما المنع من عمل قوم «لوط» فكان مختصا «بلوط» فذكر كل واحد بما اختص به ، وسبق به غيره.
فصل
دلت الآية على وجوب الحد في اللّواطة ، لأنه سماها فاحشة ، وقد ثبت أن إتيان الفاحشة يوجب الحدّ ، وأيضا أن الله تعالى جعل عذاب من أتاها إمطار الحجارة عليه عاجلا وهو الرّجم. وتقدم الكلام على قوله : (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ)(٤).
قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) ، قيل : كانوا يفعلون (٥) الفاحشة بمن يمرّ بهم من المسافرين فترك الناس الممرّ بهم ، وقيل : يقطعون سبيل النسل بإتيان الرجال (٦) ، كقوله : «أتاتون (الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ)(٧) ، (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قال أبو العباس المقّريّ (٨) : ورد لفظ النادي في القرآن بإزاء معنيين :
الأول : النادي مجلس القوم المحدد (٩) فيه لهذه الآية.
والثاني : بمعنى الناصر ، كقوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) [العلق : ١٧] ، أي ناصره يعني أبا جهل.
__________________
ـ عاصم يهمز همزتين ، ويروى عن نافع المد واتفقوا جميعهم على الاستفهام في «أئنكم» الثانية ، انظر : السبعة لابن مجاهد ٤٩٩ ، والإتحاف ٣٤٥.
(١) انظر : الكشاف ٣ / ٢٠٤ فقد جعلها مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة.
(٢) ذكره في البحر المحيط ٧ / ١٤٩.
(٣) هود : ٦١.
(٤) الأعراف : ٨٠.
(٥) حكاه ابن شجرة ، انظر : القرطبي ١٣ / ٣٤١.
(٦) قاله وهب بن منبه ، وانظر : المرجع السابق.
(٧) [الأعراف : ٨١] ، و [النمل : ٥٥] ، وتصحيحها «إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ» * و «أئنّكم لتأتون».
(٨) أبو العباس المقري : أحمد بن عبد الله بن عيسى بن موسى الهاشمي أبو العباس المقري ، قرأ على محمد بن أبي عمر الدوري ، وعليه محمد بن محمد بن فيروز. انظر : غاية النهاية ١ / ٧٤.
(٩) في ب : المتحدث فيه وهو الصواب.