قال الزمخشري : المعنى : متتابعون في الهلاك على أيديهم (١) ، ومنه بيت الحماسة :
٣٩٠٩ ـ أبعد بني أمّي الّذين تتابعوا |
|
أرجّي الحياة أم من الموت أجزع (٢) |
يعني : أن «ادّرك» على «افتعل» لازم بمعنى فني واضمحلّ ، يقال : ادّرك الشيء يدّرك فهو مدّرك ، أي : فني متتابعا (٣) ، ولذلك كسرت الراء. وممن نص على كسرها أبو الفضل الرازي ، قال : «وقد يكون «ادّرك» على «افتعل» بمعنى «أفعل» متعديا ، ولو كانت القراءة من هذا لوجب (٤) فتح الراء ولم يبلغني عنهما ـ يعني : عن الأعرج وعبيد ـ إلا الكسر» (٥).
فصل
المعنى (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) ، أي : رأى كل فريق صاحبه.
وقرىء «فلمّا تراءت الفئتان» (٦) قال أصحاب موسى : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) أي](٧) لملحقون ، وقالوا : يا موسى (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا)(٧) كانوا يذبحون أبناءنا ، (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) [الأعراف : ١٢٩] يدركوننا في هذه الساعة فيقتلوننا ، ولا طاقة لنا بهم ، فعند ذلك قال موسى ثقة بوعد الله إياه «كلّا» وذلك كالمنع مما توهموه ، أي : لن يدركونا (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)(٨) يدلني على طريق النجاة (٩).
قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(٦٨)
قوله : [(فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ). لما قال موسى : (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) بين تعالى كيف هداه ونجّاه وأهلك أعداءه ، فقال](١٠) : (فَأَوْحَيْنا (١١) إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) ولا بد قبله من جملة محذوفة ، أي : فضرب فانفلق. وزعم ابن عصفور أن المحذوف إنما هو : «ضرب» وفاء : «انفلق». وأن الفاء الموجودة
__________________
(١) الكشاف ٣ / ١١٦.
(٢) البيت من بحر الطويل ، قاله أبو الحناك البراء بن ربعي الفقعسي ، وهو في الكشاف ٣ / ١١٦ ، البحر المحيط ٧ / ٢٠ ، شرح شواهد الكشاف (٧٣). والشاهد فيه قوله : (تتابعوا). فهو بمعنى : انقرضوا واحدا بعد واحد.
(٣) انظر المحتسب ٢ / ١٢٩ ، اللسان (درك).
(٤) في ب : يوجب.
(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٢٠.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٨.
(٧) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٨) في ب : سيهديني.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٨.
(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.
(١١) في الأصل : وأوحينا. وهو تحريف.