أدركها أوائل هذه الأمة. وقال مجاهد : هي ظهور الماء الأسود على وجه (١) الأرض.
قوله تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٣٧)
قوله تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ) أي وأرسلنا ، أو بعثنا إلى مدين أخاهم «شعيبا» بدل ، أو بيان ، أو بإضمار : أعني (٢) ، قيل : مدين : اسم رجل في الأصل وجهل وله ذرية فاشتهر في القبيلة ، كتميم ، وقيس وغيرهما ، وقيل : اسم ما نسب القوم (٣) إليه فاشتهر في القوم ، والأول أظهر ، لأن الله تعالى أضافه (٤) إلى مدين بقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) ولو كان اسم الماء لكانت الإضافة غير صحيحة أو غير حقيقية فالأصل في الإضافة التغاير حقيقة (٥) وقوله : «أخاهم» ، قيل : لأن شعيبا كان منهم نسبا.
فإن قيل : قال الله (تعالى) (٦) في «نوح» : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) فقدم (٧) نوحا في الذّكر وعرف القوم بالإضافة إليه وكذلك في إبراهيم ، ولوط ، وههنا ذكر القوم أولا ، وأضاف إليهم أخاهم «شعيبا» فما الحكمة؟
فالجواب : أن الأصل في الجميع أن يذكر القوم ثم يذكر رسولهم (٨) لأن الرسل لا تبعث إلا (٩) غير معينين ، وإنما تبعث الرسل إلى قوم محتاجين إلى الرسل فيرسل إليهم من يختاره (١٠) ، غير أن قوم نوح وإبراهيم ولوط لم يكن لهم (١١) اسم خاص ، ولا نسبة مخصوصة يعرفون بها ، فعرفوا بالنبي ، فقيل : قوم نوح ، وقوم لوط ، وأما قوم «شعيب» و «هود» و «صالح» فكان لهم نسب معلوم اشتهروا به عند الناس فجرى الكلام على أصله ، وقال (١٢) الله : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) ، (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) فإن قيل : لم يذكر عن «لوط» أنه أمر قومه بالعبادة والتوحيد ، وذكر عن شعيب ذلك.
فالجواب قد تقدم وهو أن «لوطا» كان من قوم «إبراهيم» ، وفي زمانه ، وكان
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) انظر : البيان ٢ / ٢٤٤ ، والدر المصون للسمين ٤ / ٣٠٤ ، وقد أعرب أبو البقاء «شعيبا» معطوفا على «نوحا» ، انظر : التبيان ٢ / ١٠٣٣.
(٣) في ب : الماء.
(٤) في ب : أضاف بدون ضمير.
(٥) فهي لغة مطلق الإسناد ، واصطلاحا : إسناد اسم آخر على تنزيل الاسم الثاني من الأول منزلة تنوينه ، أو ما يقوم مقام التنوين في تمام الكلمة ، أو هي نسبة تقييدية بين اسمين تقتضي أن يكون ثانيهما مجرورا فالنسبة هي الإسناد والحكم ، ومعنى هذا كله أن هناك تغايرا وفرقا بين كلمتين.
(٦) ساقط من أ.
(٧) في ب : قدم.
(٨) في ب : رسولا لهم.
(٩) في ب : إلى غير معينين.
(١٠) في ب : اختاره.
(١١) في ب : ولم يكن.
(١٢) في ب : فقال.