فالجواب : أنّ المراد من الدار هو الديار ، والإضافة إلى الجمع يجوز أن تكون بلفظ الجمع ، وأن تكون بلفظ الواحد إذا أمن (من) (١) الالتباس ، وإنما اختلف اللفظ للطيفة وهي أن اللطيفة (٢) هائلة في نفسها ، فلم يحتج إلى تهول بها ، وأما الصيحة فغير هائلة في نفسها ولكن تلك الصيحة لما كانت عظيمة حتى أحدثت الزلزلة في الأرض ذكر الديار بلفظ الجمع حتى يعلم هيئتها ، والرجفة بمعنى الزلزلة عظيمة عند كل أحد فلم يحتج إلى معظّم (٣) لأمرها ، وقيل : إن الصيحة كانت أعظم حيث عمت الأرض والجو والزلزلة لم تكن إلا في الأرض فذكر الديار هنا (٤) ، وهذا ضعيف لأن الدار والديار موضع الجثوم لا موضع الصيحة والرجفة فهم ما أصبحوا جاثمين إلا في ديارهم أو دارهم (٥).
قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٤٠)
قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ) نصب «بأهلكنا» مقدرا (٦) ، أو عطف على مفعول «فأخذتهم» (٧) أو على منصوب (٨)(وَلَقَدْ فَتَنَّا) أول السورة ، وهو قول الكسائي. وفيه بعد كثير وتقدم تنوين «ثمود» ، وعدمه (٩) في هود ، وقرأ ابن (١٠) وثاب : «وعاد وثمود» بالخفض عطفا على(١١) «مدين» عطف لمجرد الدلالة ، وإلا (١٢) يلزم أن يكون شعيب مرسلا إليهما ، وليس كذلك.
قوله : (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ) أي ما حلّ بهم وقرأ الأعمش : «مساكنهم»
__________________
(١) زيادة من «ب».
(٢) في «ب» الرجفة وهو الأقرب والصواب.
(٣) في «ب» تعظيم.
(٤) في «ب» هناك.
(٥) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ٦٦.
(٦) انظر : البيان لابن الأنباري ٢ / ٢٤٤ ، والبحر المحيط ٧ / ١٥٢ ، والدر المصون ٤ / ٣٠٥.
(٧) المراجع السابقة.
(٨) المراجع السابقة.
(٩) المراجع السابقة.
(١٠) ابن وثاب : يحيى بن وثاب الأسدي الكوفي القارىء العابد أحد الأعلام ، مولى بني أسد ، روى عن ابن عباس ، وابن عمر وعن مسروق وقرأ عليه الأعمش ، وطلحة بن مصرف ، مات سنة ١٠٣ ه.
انظر : معرفة القراء الكبار للذهبي ١ / ٦٢ : تهذيب الكمال ٢٤٩ ، تذكرة الحفاظ ١ / ١٠٦.
(١١) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٥٢.
(١٢) في «ب» ولا يلزم.