وقرأ الأخوان وابن كثير ، وأبو بكر بالإفراد (١) ؛ لأن غالب ما جاء في القرآن كذلك والباقون «آيات» بالجمع لأن بعده (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ) بالجمع إجماعا ، والرسم يحتمله (٢).
فصل
اعلم أنهم قالوا : إنك تقول : إنك أنزل إليك الكتاب كما أنزل إلى موسى وعيسى ، وليس كذلك ؛ لأن موسى أوتي تسع آيات بينات علم بها كون الكتاب من عند الله ، وأنت ما أوتيت شيئا منها ثم إنه تعالى أرشد نبيه إلى أجوبة هذه الشبهة منها.
قوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) هذا جواب لقولهم : «و (لَوْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) قل : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) ، ففاعل «يكفهم» هو قوله : (أَنَّا أَنْزَلْنا) والمعنى : إن كان إنزال الآيات شرطا في الرسالة فلا يشترط إلا إنزال «آية» وقد أنزل القرآن ، وهو آية معجزة ظاهرة كافية. وقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) عبارة تنبىء عن كون القرآن آية فوق الكفاية (٣) وبيانه أن القرآن أتم من كل معجزة لوجوه :
أحدها : أن تلك المعجزات وجدت وما دامت ، فإن قلب العصا ثعبانا ، وإحياء الميت لم يبق لنا منه (٤) أثر ، فلو أنكره واحد لم يمكن إثباتها معه بدون الكتاب ، وأما القرآن فهو باق لو أنكره واحد فيقال له : فأت بآية من مثله.
الثاني : أن قلب العصا ثعبانا كان في آن واحد ولم يره من لم يكن في ذلك المكان ، وأما القرآن فقد وصل إلى المشرق والمغرب وسمعه كل واحد ، وهنا لطيفة وهي أن آيات النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كانت أشياء لا تختص بمكان دون مكان ، لأن من جملتها انشقاق القمر وهو يعم الأرض لأن الخوف إذا وقع عم ، وذلك لأن نبوته كانت عامة لا تختص بقطر دون قطر. وغاص بحر (٥) «ساوة» في قطر ، وسقط إيوان كسرى في قطر (وانهدّت) (٦) الكنيسة بالروم في قطر آخر إعلاما بأنه يكون أمرا عاما.
الثالث : أن غير هذه المعجزة يقول الكافر المعاند هذا سحر (وعمل بدواء) (٧) والقرآن لا يمكن هذا القول فيه (٨). ثم قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً) أي في إنزال القرآن (لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي تذكير وعظة لمن آمن وعمل به.
قوله (تعالى) (٩) : (قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) أني رسوله ، وهذا القرآن
__________________
(١) انظر : الإتحاف ٣٤٦ ، والسبعة ٥٠١ والكشف ٢ / ١٨٠ ، وقد قال مكي في الكشف : «لو كان بالتوحيد لكان بالهاء فقويت القراءة بالجمع وهو الاختيار».
(٢) في «ب» محتمل له.
(٣) في «ب» الكتابة وهو تحريف.
(٤) في «ب» لنا به.
(٥) في «ب» بحيرة بالتصغير.
(٦) ساقط من «ب».
(٧) ساقط من «ب».
(٨) انظر : التفسير للإمام الفخر الرازي ٢٥ / ٧٩.
(٩) زائد من «ب».