فالجواب : فيه فائدة) غيرها وهو أنه ذكر الثاني لبيان قبح الأول كقول القائل : أتقول بالباطل وتترك الحلق لشأن أن القول بالباطل قبيح.
قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٥٥)
قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) نزلت في النضر بن الحارث (١) حين قال : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ)(٢)(وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) قال ابن عباس : ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة كما قال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ)(٣) وقيل : يوم بدر. ولولا ذلك الأجل المسمى الذي اقتضته حكمته (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) يعني العذاب. وقيل : الأجل بغتة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه ، وقوله : (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يحتمل وجهين :
أحدهما : معنى تأكيد (٤) قوله : «بغتة» ، كما يقول القائل : أتيته على غفلة منه بحيث لم يدر.
فقوله : «بحيث لم يدر» أكد معنى الغفلة.
والثاني : أنه يفيد فائدة مستقلة وهي أن العذاب يأتيهم بغتة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) هذا الأمر ، ويظنون أن العذاب لا يأتيهم أصلا.
قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) ذكر هذا للتعجب (٥) ، لأن من توعد (٦) بأمر فيه ضرر يسير كلطمة أو لكمة فيرى في نفسه الجلد ويقول : بسم الله هات ، وأما من توعد بإغراق أو إحراق ويقطع بأن المتوعد قادر لا يخلف الميعاد لا يخطر ببال العاقل أن يقول له: هات ما توعدني (٧) به فقال هاهنا (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) والعذاب بنار جهنم المحيطة (بهم) (٨) فقوله ((يَسْتَعْجِلُونَكَ (٩) بِالْعَذابِ)) أولا : إخبارا عنهم ، وثانيا : تعجبا منهم.
وقيل : أعادة تأكيدا ، ثم ذكر كيفية إحاطة جهنم فقال : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ).
فإن قيل : لم يخص (١٠) الجانبين ولم يذكر اليمين والشمال وخلف وقدّام؟
__________________
(١) القرطبي ١٣ / ٣٥٦.
(٢) الأنفال : ٣٢.
(٣) القمر : ٤٦.
(٤) الأصح : تأكيد معنى قوله «بغتة».
(٥) في «ب» التعجب.
(٦) في «ب» أوعد.
(٧) في «ب» توعدت به.
(٨) ساقط من «ب».
(٩) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(١٠) في «ب» اختص الجانبين.