تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٦٠)
قوله (تعالى) (١) : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) لما ذكر حال المشركين على حدة ، وحال أهل الكتاب على حدة وجمعهما في الإنذار ، وجعلهما من أهل النار اشتد عنادهم ، وزاد فسادهم ، وسعوا في إيذاء المؤمنين ، ومنعهم من العبادة ، قال مقاتل والكلبي : (نزلت في ضعفاء) (٢) مسلمي مكة يقول : إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فاخرجوا منها إلى (٣) أرض واسعة ، آمنة ، قال مجاهد (٤) : إن أرضي واسعة فهاجروا وجاهدوا فيها ، وقال سعيد بن جبير : إذا عمل (٥) في أرض بالمعاصي فاخرجوا منها فإن أرضي واسعة ، وقال عطاء : إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا (فإن) (٦) أرضي واسعة وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث تهيّأ له العبادة ، وقيل : نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة وقالوا نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة ، فأنزل الله (٧) هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج ، وقال مطرف بن عبد الله (٨) : أرضي واسعة : رزقي لكم واسع فاخرجوا.
فصل
قوله : (يا عِبادِيَ) لا يدخل فيه الكافر لوجوه :
أحدها : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ)(٩) والكافر يحب (١٠) سلطنة الشيطان فلا يدخل في قوله : (يا عِبادِيَ).
وثانيها : قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر : ٥٣].
وثالثها : أن العباد مأخوذ من العبادة والكافر لا يعبد الله فلا يدخل في قوله : «عبادي» وإنما يختص بالمؤمنين الذين يعبدونه.
ورابعها : الإضافة بين الله والعبد بقول العبد إلهي ، وقول (١١) الله عبدي.
__________________
(١) زائد من «ب».
(٢) ساقط من «ب».
(٣) انظر : القرطبي ١٣ / ٣٥٦ و ٣٥٧.
(٤) السابق.
(٥) السابق وقد قاله مالك.
(٦) السابق وفي «ب» إنّ بدون فاء.
(٧) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٥٧.
(٨) انظر ؛ القرطبي السابق والبحر المحيط ٧ / ١٥٧ وفي «ب» عبد الله بن مطرف وهو تحريف. وهو مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري أبو عبد الله البصري أحد سادة التابعين عن أبيه وعثمان وعلي وعنه أخوه أبو العلاء وخلق وكان ثقة له فضل وورع مات سنة ٩٥ ه ، انظر : خلاصة الكمال ٣٧٩.
(٩) [الحجر : ٤٢].
(١٠) في «ب» تحت.
(١١) في «ب» يقول الله.