فإن قيل : إذا كانت (١) «عباده» لا تتناول إلا المؤمنين فما الفائدة في قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) مع أن الوصف إنما يذكر لتمييز الموصوف كما يقال : يا أيها المكلفون المؤمنون ، يا أيها الرجلاء العقلاء تتمييزا بين الكافر والجاهل؟
فالجواب : أن الوصف يذكر لا لتمييز بل لمجرد بيان أن فيه الوصف كما يقال : الأنبياء المكرّمون (٢) والملائكة المطهّرون ، مع أن كل نبي مكرم ، وكل ملك مطهر ، فإنما يقال (٣) لبيان أن فيهم الإكرام والطهارة ، ومثله قولنا : الله الله العظيم فهاهنا (٤) ذكر لبيان أنهم مؤمنون.
فإن قيل : قوله : (يا عِبادِيَ) يفهم منه (٥) كونهم عابدين فما الفائدة بالأمر بالعبادة بقوله : (فَاعْبُدُونِ)؟
فالجواب : فيه فائدتان :
إحداهما : المداومة أي يا من عبدتموني (٦) في الماضي فاعبدوني (٧) في المستقبل.
والثانية : الإخلاص أي يا من يعبدني أخلص العمل ولا تقبل غيري.
فإن قيل : الفاء (٨) في قوله : «فإيّاي» يدل على أنه جواب لشرط فما ذاك؟
فالجواب : قوله : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) إشارة إلى عدم المانع من عبادته فكأنه قال : إذا كان لا مانع من عبادتي فإياي فاعبدون فهو لترتيب المقتضى على المقتضي كما يقال : هذا عالم فأكرموه. فكذلك هاهنا لما أعلم نفسه بقوله : «فإيّاي» وهو لنفسه مستحق العبادة ، فقال : «فاعبدون». قال الزمخشري : «هذا جواب شرط مقدر ، وجعل تقديم المفعول عوضا من حذفه (٩) مع إفادته للاختصاص». وقد تقدم منازعة أبي حيان (١٠) له في نظيره.
قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) قرأه بالغيبة (١١) أبو بكر ، وكذا في الروم (١٢) في قوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وافقه أبو عمرو في الروم فقط
__________________
(١) في «ب» وكان.
(٢) في «ب» الأكرمون.
(٣) في «ب» وإنما قالوا.
(٤) في «ب» ها هنا.
(٥) في «ب» من.
(٦) في «ب» عبدوني.
(٧) في «ب» أعيدوني.
(٨) في «ب» الثاني وهو تحريف قطعا.
(٩) انظر : الكشاف ٣ / ٢١٠.
(١٠) يقصد قول الله «فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» [النحل : ٥١] وقد جعل أبو حيان هذه الجملة «فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ» من باب الاشتغال أي فإياي أعبدوا فاعبدون. وعقب على كلام الزمخشري بقوله : «ويحتاج هذا الجواب إلى تأمل» انظر : البحر المحيط ٧ / ١٥٧.
(١١) انظر الإتحاف ٣٤٦ ، والسبعة ٥٠٢ ، وإبراز المعاني ٣٧.
(١٢) الروم : ١١.