والباقون بالخطاب (١) فيها. وقرىء يرجعون (٢) مبنيا للفاعل.
فصل
لما أمر الله تعالى المؤمنين بالمهاجرة صعب عليهم ترك الأوطان ومفارقة الإخوان فخوفهم بالموت ليهون عليهم الهجرة أي كل أحد ميت أينما كان فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت فإن كل نفس ذائقة الموت فالأولى أن يكون ذلك في سبيل الله فيجازيكم عليه ، فإن إلى الله مرجعكم فيجزيكم (٣) بأعمالكم ، وفيه وجه دقيق آخر وهو أن قوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) أي إذا كانت (معلقة) (٤) بغيرها فهو للموت ثم إلى الله ترجع فلا تموت كما قال تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) [الدخان : ٥٦] وإذا كان كذلك فمن يريد أن لا يذوق الموت لا يبقى مع نفسه فإن النفس ذائقته بل يتعلق بغيره ، وذلك الغير إن كان غير الله فهو ذائق الموت لقوله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) و (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فإذن التعلق بالله (٥) (يريح من الموت) (٦) فقال تعالى : (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) أي تعلقوا بي ، ولا تتبعوا النفس ، فإنها ذائقة الموت (ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) أي إذا تعلقتم بي فموتكم رجوع إلي وليس بموت لقوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران : ١٦٩] ، وقال عليه (الصلاة و) (٧) السلام : «المؤمنون لا يموتون بل ينقلون من دار إلى دار».
قوله (تعالى) (٨) : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يجوز في «الذين» الوجهان المشهوران الابتداء (٩) ، والاشتغال ، وقوله : «لنبوّئنّهم» ، قرأ الأخوان بتاء مثلثة ساكنة بعد النون ، وياء مفتوحة (١٠) بعد الواو من الثّواء (١١) وهو الإقامة ، يقال : ثوى الرجل إذا أقام ، وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه والباقون بباء موحدة (١٢) مفتوحة بعد النون ، وهمزة مفتوحة بعد الواو من المباءة وهي (١٣) الإنزال أي لنبوئنهم من (١٤) الجنة غرفا.
__________________
(١) المراجع السابقة.
(٢) وهي قراءة عليّ كرم الله وجهه ، انظر : مختصر ابن خالويه ١١٥.
(٣) قي «ب» فيجازيكم.
(٤) ساقط من «ب».
(٥) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ٨٤.
(٦) زيادة يقتضيها السياق من الفخر الرازي.
(٧) ساقط من «ب».
(٨) ساقط من «ب».
(٩) انظر : الدر المصون ٤ / ٣٠٨ والتبيان ١٠٣٤ ، والبحر ٧ / ١٥٨.
(١٠) وهي قراءة ابن وثاب ، وابن مسعود ، والأعمش أيضا ، انظر : البحر ٧ / ١٥٨ ، والقرطبي ١٣ / ٣٥٩ ، والإتحاف ٣٤٦ ، والسبعة ٥٠٢ ، ومعاني القرآن للزجاج ٤ / ١٧٣ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣١٨.
(١١) معاني الزجاج ٤ / ١٧٣.
(١٢) المراجع السابقة.
(١٣) في «ب» وهو.
(١٤) في «ب» لننزلهم في الجنة.