تقلب ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ؛ لئلا يحذف إحدى الألفين وغير سيبويه (١) حمل ذلك على ظاهره ، فالحياة عنده لامها «واو». ولا دليل لسيبويه في «حيي» ؛ لأن الواو متى انكسر ما قبلها قلبت ياء نحو : «عدي ، ودعي ، ورضي». ومعنى الآية (٢) : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ) أي الحياة الدائمة الباقية ، والحيوان بمعنى الحياة أي فيها الحياة الدائمة (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي لو كانوا يعلمون أنها الحيوان لما آثروا عليها الدنيا.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله : في الأنعام (أَفَلا تَعْقِلُونَ) [الأنعام : ٣٢] وقال هنا (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)؟
فالجواب : أن المثبت هناك كون الآخرة خيرا ، ولأنه ظاهر لا يتوقف إلا على العقل والمثبت هنا أن لا حياة إلا حياة الآخرة. وهذا دقيق لا يعلم إلا بعلم نافع.
قوله تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(٦٩)
قوله تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) قال الزمخشري : «فإن قلت» (٣) : بم اتصل قوله فإذا ركبوا في الفلك؟
قلت : بمحذوف دل عليه ما وصفهم (به) (٤) وشرح من أمرهم معناه هم على ما وصفوا به من الشرك والغفلة فإذا ركبوا.
قوله : (دَعَوُا اللهَ) معناه : فإذا خافوا (من) (٥) الغرق دعوا الله مخلصين له الدين ، وتركوا الأصنام ، وهذا إشارة إلى تحقيق أن المانع من التوحيد هو الحياة الدنيا ؛ لأنهم إذا انقطع رجاؤهم عن (٦) عن الدنيا رجعوا إلى الفطرة الشاهدة بالتوحيد ووحدوا وأخلصوا ، وإذا (٧) نجاهم وأرجأهم عادوا إلى ما كانوا عليه من حب الدنيا ، وأشركوا لقوله : (فَلَمَّا) أنجاهم (إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) وهذا إخبار عنهم بأنهم عند الشدائد يقرون أن القادر على كشفها هو الله ـ عزوجل ـ وحده ، وإذا زالت عادوا إلى كفرهم ، قال عكرمة : كان أهل الجاهلية (٨) إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام فإذا اشتدت(٩) عليهم الريح ألقوها في البحر ، وقالوا : يا رب يا رب.
__________________
(١) وهو قول أبي عثمان المازني ، انظر : شرح الشافية ٣ / ١٤٢ ، واللسان جبي ١٠٨٧.
(٢) انظر : القرطبي ١٣ / ٣٦٢.
(٣) ساقط من «ب».
(٤) الكشاف ٣ / ٢١٢.
(٥) ساقط من «ب».
(٦) في «ب» من الدنيا.
(٧) في «ب» وإن أنجاهم.
(٨) انظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤٢١.
(٩) في «ب» اشتد.