أهل الكتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أمّيّون (١) وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الرّوم وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم فأنزل الله هذه الآيات (٢) لبيان أن الغلبة لا تدل على الحق بل الله قد يريد في ثواب المؤمنين من يبتليه ، ويسلط عليه الأعادي ، وقد يختار تعجيل العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر قبل يوم الميعاد (٣).
فصل
قد تقدم أن كل سورة افتتحت بحروف التّهجّي فإن في أولها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن ، كقوله : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ) (المص. كِتابٌ) (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) (الم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ) (حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (يس. وَالْقُرْآنِ) (ق. وَالْقُرْآنِ) إلا هذه السورة وسورتين (٤) أخريين ذكرناهما في العنكبوت ، وذكرنا الحكمة منهما هناك. وأما ما يتعلق بهذه السورة فنقول : إن السورة التي في أوائلها التنزيل والكتاب والقرآن في أوائلها ذكر ما هو معجزة فقدمت عليها الحروف على ما تقدم بيانه في العنكبوت ، وهذه في أوائلها ذكر ما هو معجزة وهو الإخبار عن الغيب ، فقدمت الحروف التي لا يعلم معناها ليتنبه السامع فيقبل بقلبه على الاستماع لما ترد عليه المعجزة ويفزع للاستماع.
قوله : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) زعم بعضهم أن «أل» عوض من الضمير ، وأن الأصل «في أدنى أرضهم» وهو قول كوفي ، وهذا على قول إن الهرب كان من جهة بلادهم ، وأما من يقول : إنه من جهة بلاد العرب فلا يتأتي ذلك. وقرأ العامة «غلبت» مبنيا للمفعول ، وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وابن عمر وأهل الشام ببنائه للفاعل (٥).
قوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) أي الروم من بعد غلب فارس إيّاهم. والغلب ، والغلبة «لغتان» فعلى القراءة الشهيرة يكون المصدر مضافا لمفعوله. ثم هذا المفعول إما أن يكون مرفوع المحل على أن المصدر المضاف إليه مأخوذ من مبني (للمفعول (٦)) على خلاف في ذلك. وإما منصوب المحل على أن المصدر من مبني للفاعل ، والفاعل محذوف تقديره : من بعد أن غلبهم عدوهم وهم فارس (٧) ، وأما على القراءة الثانية فهو مضاف لفاعله.
__________________
(١) في «ب» آمنون.
(٢) في «ب» الآية.
(٣) في «ب» القيامة.
(٤) وهما مريم والعنكبوت.
(٥) انظر : مختصر ابن خالويه ١١٦ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣١٩. ولم يروها الفراء عن غيره ، وانظر : البحر المحيط ٧ / ١٦١ ، والقرطبي ١٤ / ٤. وقد نسب الزجاج هذه القراءة أيضا إلى أبي عمرو وانظر : معاني الزجاج ٤ / ١٧٥ بينما اقتصر الزمخشري في الكشاف على القراءة المشهورة ٣ / ٢٤١ ، وكذلك غير المشهورة بدون ذكر نسبة.
(٦) سقطت من «ب».
(٧) قال أبو إسحاق الزجاج في كتابه إعراب القرآن ومعانيه : «الغلب والطلب مصدران تقول : غلبت غلبا وطلبت طلبا». انظر : معاني الزجاج ٤ / ١٧٧ وانظر : الكشاف ٣ / ٢١٤ ، والدر المصون ٤ / ٣١٢ والتبيان ١٠٣٦.