فنقول ههنا (الفعل (١)) كان منسوبا إلى السامع حيث قال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) فقال : (فِي أَنْفُسِهِمْ) يعني فيما فهموه (٢) أولا ولم يرتقوا إلى ما فهموه ثانيا ، وأما في قوله «سنريهم» الأمر منسوبا إلى المفيد المسمع فذكر أولا الآفاق ، فإن لم يفهموه فالأنفس (٣) ، لأن دلائل الأنفس لا ذهول للإنسان عنها ، وأما دلائل الآفاق فيمكن الذهول عنها ، وهذا الترتيب مراعى في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٩١] أي يعلمون الله بدلائل الأنفس في سائر الأحوال ويتفكرون في خلق السماوات والأرض بدلائل الآفاق.
فصل (٤)
وجه دلالة الخلق بالحقّ (٥) على الوحدانية ظاهر ، وأما وجه دلالته على الحشر فلأن (تخريب (٦)) السموات وعدمها لا يعلم بالعقل إلا إمكانه ، وأما وقوعه فلا يعلم إلا بالسمع لأن الله قادر على إبقاء الحوادث أبدا كما أنه يبقي الجنة والنار بعد إحداثهما أبدا ، والخلق دليل إمكان العدم ، لأن المخلوق لم يجب له القدم فجاز عليه (٧) العدم ، فإذا أخبر الصادق عن أمر ممكن وجب على العاقل التصديق والإذعان ؛ لأن العالم لما كان خلقه بالحق ينبغي أن يكون بعد هذه الحياة حياة أخرى باقية لأن هذه الحياة ليست لعبا ولهوا كما تبين بقوله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) (وخلق السموات (٨) والأرض للهو واللعب عبث ، والعبث ليس بحق) فخلق السماوات والأرض بالحق يدل على أنه لا بد بعد هذه الحياة الدنيا من حياة.
فإن قيل : ما الفائدة في قوله ههنا : (كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) وقال من قبل : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)؟.
فالجواب : (فائدته (٩)) أنه من قبل لم يذكر دليلا على الأصلين وههنا قد ذكر الدلائل الراسخة والبراهين اللائحة ولا شك في أن الإيمان بعد الدليل أكثر من الإيمان قبل الدليل فبعد الدليل لا بد (أن يؤمن) (١٠) من ذلك الأكثر جمع فلا يبقى الأكثر كما هو ، فقال بعد إقامة الدليل وإنّ كثيرا ، وقال قبله: (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) لأنه بعد الدليل الذي لا يمكن الذهول عنه وهو السماوات والأرض لأن من البعيد أن يذهل الإنسان عن السماء التي فوقه ، والأرض التي تحته ، فلهذا ذكر ما يقع الذهول عنه وهو أمر أمثالهم ،
__________________
(١) ساقط من «ب».
(٢) في «ب» فيما فهموا.
(٣) في «ب» بالأنفس.
(٤) في «ب» فإن قيل بدلا من (فصل).
(٥) الخلق على الخالق بدلالة الوحدانية في «ب».
(٦) ساقط من «ب».
(٧) في «ب» فحان عليه.
(٨) ساقط كله من «ب» ما بين القوسين.
(٩) ساقط من «ب».
(١٠) ساقط من «ب».