ولم يقل : «يعيدهم» رد (١) على الخلق ، ثمّ إليه ترجعون ؛ فيجزيهم بأعمالهم ، قرأ أبو بكر ، وأبو عمرو «يرجعون» ـ بالياء ـ (٢) والآخرون بالتاء (٣).
قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) قرأ العامة «يبلس» ببنائه للفاعل وهو المعروف يقال : أبلس الرجل أي انقطعت حجته (٤) فسكت وهو قاصر لا يتعدى ، قال العجاج :
٤٠٣٦ ـ يا صاح هل تعرف رسما مكرسا |
|
قال : نعم أعرفه وأبلسا (٥) |
وقرأ السّلميّ : «يبلس» مبنيّا للمفعول (٦) ، وفيه بعد ، لأن أبلس يتعدى ، وقد خرّجت هذه القراءة على أن القائم مقام الفاعل مصدر الفعل ، ثم حذف (المضاف (٧) ، وأقيم) المضاف إليه مقامه ، إذ الأصل يبلس إبلاس المجرمين ، و «يبلس» هو الناصب «ليوم تقوم» و «يومئذ» مضاف لجملة تقديرها يومئذ يقوم وهذا كأنه تأكيد لفظي ، إذ يصير التقدير يبلس المجرمون (يوم تقوم الساعة) (٨).
فصل
قال قتادة والكلبيّ : المعنى يبلس المشركون من كل خير (٩) ؛ وقال الفراء : ينقطع (١٠) كلامهم وحججهم. وقال مجاهد : يفتضحون (١١). ولم يكن لهم شركائهم أصنامهم التي عبدوها ليشفعلوا لهم شفعاء ، (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) يتبرأون (١٢) منها وتتبرأ منهم.
قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) أي بين أهل الجنة من أهل النار ، قال مقاتل: يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبدا كما قال تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ). قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ)
__________________
(١) في «ب» رده بالهاء.
(٢) على ما بين في العنكبوت. انظر : القرطبي ١٤ / ١٠ والبحر المحيط ٧ / ١٦٤ والكشاف ٣ / ٢١٦ ، والإتحاف ٣٤٦ ، والسبعة ٥٠٦ ، والنشر ٢ / ٣٤٤ ، وتقريب النشر ١٥٩.
(٣) المراجع السابقة.
(٤) قال في اللسان ٣٤٣ «ب ل س» (والمبلس : البائس ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب : قد أبلس) وأنشد البيت الذي أعلى.
(٥) البيت للعجاج وقد تقدم.
(٦) مختصر ابن خالويه ١١٦ ، والكشاف ٣ / ٢١٦ ، والقرطبي ١٤ / ١٠.
(٧) ساقط من «ب».
(٨) الدر المصون ٤ / ٣١٥ ، والتبيان ١٠٣٨ ، ١٠٣٩ ، هذا وما بين القوسين ساقط من «ب».
(٩) تفسير ابن كثير ٣ / ٤٢٨.
(١٠) المعاني ٢ / ٣٢٣.
(١١) تفسير ابن كثير ٣ / ٤٢٨.
(١٢) انظر : ابن جرير الطبري ٢١ / ١٩.