ابن عطية : ويجوز فيه قياس «مذكر» ونحوه ، ولم يقرأ به أحد ، والقياس أن يكون اللفظ به «إددعون» (١) والذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية في الفعل فكثرت المتماثلات (٢) ، يعني : فيكون اللفظ بدال مشددة مهملة ، ثم بدال ساكنة مهملة أيضا.
قال أبو حيان : وهذا لا يجوز ، لأن هذا الإبدال إنما هو في تاء الافتعال بعد الدال والذال والزاي نحو : ادهن ، واذكر ، وازدجر ، وبعد جيم شذوذا نحو : «اجدمعوا» في «اجتمعوا» ، وفي تاء الضمير بعد الدال والزاي نحو : «فزد في فزت» و «جلد في جلدت» (٣) أو تاء «تولج» قالوا فيها : «دولج» (٤) وتاء المضارعة ، ليس شيئا مما ذكر ، وقوله : «والذي منع ... إلى آخره» يقتضي جوازه لو لم يوجد ما ذكر ، فعلى مقتضى قوله يجوز أن تقول في «إذ تخرج» : «إذ خرج» ولا يقول ذلك أحد ، بل يقولون : اتخرج فيدغمون الذال في التاء (٥).
فصل
تقرير هذه الحجة التي ذكراها إبراهيم ـ عليهالسلام (٦) ـ أن من عبد غيره لا بد أن يلتجىء إليه في المسألة ليعرف مراده أو يسمع دعاءه ، ثم يستجيب له في بذل منفعة أو دفع مضرة ، فقال لهم: إذا كان الذي تعبدونه لا يسمع دعاءكم حتى يعرف مقصودكم ، ولو عرف ذلك لما صح أن يبذل النفع أو يدافع الضرر ، فكيف تعبدون ما هذا صفته؟ فعند هذه الحجة الباهرة لم يجدوا ما يدفعون به حجته إلا التقليد ، فقالوا : (وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ).
وهذا (٧) من أقوى الدلائل على فساد التقليد ووجوب التمسك بالاستدلال ، إذ لو قلبنا الأمر فمدحنا التقليد وذممنا (٨) الاستدلال لكان ذلك مدحا لطريقة الكفار التي ذمها الله ، وذما لطريقة إبراهيم التي مدحاها الله (٩).
قوله : «كذلك» منصوب ب «يفعلون» (١٠) أي : يفعلون مثل فعلنا ، و «يفعلون» في محل نصب مفعولا ثانيا ل «وجدنا».
قوله : (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ). أراد به أن الباطل لا يتغير بأن يكون قديما أو حديثا ، ولا بأن يكون في فاعليه كثرة أو قلة (١١).
قوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) اللغة الغالبة إفراد «عدو» وتذكيره ، قال تعالى : (هُمُ الْعَدُوُّ)
__________________
(١) في تفسير ابن عطية : «إذ تدعون».
(٢) تفسير ابن عطية ١١ / ١٢١.
(٣) في ب : وجلدت في جلدة. وهو تحريف.
(٤) انظر الممتع ١ / ٣٥٦ ـ ٣٥٩.
(٥) البحر المحيط ٧ / ٢٣. بتصرف يسير.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) في ب : وهلا. وهو تحريف.
(٨) في ب : وذمينا.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٢.
(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٩٧ ، البحر المحيط ٧ / ٢٣.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٢.