فصل
قول القائل : «دعا فلان فلانا من الجبل» يحتمل أن يكون الدعاء من الجبل كما يقول القائل : يا فلان (اصعد (١)) إلى الجبل ، (فيقال : دعاه (٢) من الجبل ، ويحتمل أن يكون المدعوّ يدعى من الجبل كما يقول القائل : يا فلان انزل من الجبل فيقال دعاه من الجبل) ، ولا يخفى على العاقل أن الدعاء لا يكون من الأرض إذا كان الداعي هو الله ، والمدعوّ يدعى من الأرض ، يعني أنكم في الأرض فيدعوكم منها فتخرجون ، وإذا هي الفجائية ، قال أكثر العلماء معنى الآية : ثم إذا دعاكم دعوة إذا أنتم تخرجون من الأرض.
فصل(٣)
قال ههنا : (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) وقال في خلق الإنسان أولا : (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) لأن هناك يكون خلق وتقدير وتدريج حتى يصير التراب قابلا للحياة فينفخ فيه روحه فإذا هو بشر ، وأما في الإعادة فلا يكون تدريج وتراخ بل يكون نداء وخروج ، فلم يقل ههنا : «ثمّ» (٤).
قوله : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) قال ابن عباس : كل له مطيعون في الحياة والفناء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة (٥). وقال الكلبي : هذا خاص لمن كان منهم مطيعا (٦). ولما ذكر الآيات التي تدل على القدرة على الحشر الذي هو الأصل الآخر والوحدانية التي هي الأصل الأول أشار إليهما بقوله : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ونفس السموات والأرض له وملكه فكلّ (٧) له منقادون قانتون ، والشريك يكون منازعا ، فلا شريك له أصلا ، ثم ذكر المدلول الآخر فقال (هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يخلقهم أولا ، ثم يعيدهم بعد الموت للبعث.
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢٧)
قوله (٨) : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) في «أهون» قولان :
أحدهما : أنها للتفضيل على بابها وعلى هذا يقال : كيف يتصور التفضيل ، والإعادة والبداءة بالنسبة إلى الله تعالى على حد سواء (٩)؟ في ذلك أجوبة : أحدها : أن ذلك بالنسبة
__________________
(١) ساقط من «ب».
(٢) ساقط من «ب» كله.
(٣) في «ب» بدل فصل «فإن قيل».
(٤) انظر : تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٥ / ١١٦.
(٥) انظر : القرطبي ١٤ / ٢٠ وفيه أن ابن عباس يقول : مصلون وانظر معاني الزجاج ٤ / ١٨٣.
(٦) المرجع السابق.
(٧) في «ب» الكل ينقادون.
(٨) ساقط من «ب».
(٩) في «ب» سوى.