والأمر مبيّن على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. قال أبو حيان : ومبنى (١) كلامه على أن التقديم يفيد الاختصاص وقد تقدم منعه.
قال شهاب الدين : الصحيح أنه يفيده (٢). وتقدم جميع ذلك.
قوله : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) يجوز أن يكون مرتبطا بما قبله وهو قوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أي قد ضربه لكم مثلا فيما يسهل ويصعب. وإليه نحا الزجاج (٣). أو بما بعده من قوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) وقيل المثل : الوصف أي الصفة العليا (٤). قال ابن عباس : هي أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٥) وقال قتادة : هي أنه لا إله إلا هو (٦).
قوله : (فِي السَّماواتِ) يجوز أن يتعلق «بالأعلى» أي أنه أعلى في هاتين الجهتين ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «الأعلى» أو من «المثل» أو من الضمير في «الأعلى» فإنه يعود على المثل (٧) ، (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه «الحكيم» في خلقه.
قوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٢٨)
قوله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي بين لكم شبها بحالكم ذلك المثل من أنفسكم ، و «من» لابتداء (٨) الغاية في موضع الصفة «لمثلا» ، أي أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهو «أنفسكم» (٩) ثم بين المثل فقال : (هَلْ لَكُمْ) مما (مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) من المال ، والمعنى أن من يكون مملوكا لا يكون شريكا له في ماله فكيف يجوز أن يكون عباد الله شركاء له وكيف يجوز أن يكون لهم عظمة الله تعالى حتى يعبدوا؟.
قوله : (مِنْ شُرَكاءَ) مبتدأ و «من» مزيدة (١٠) فيه لوجود شرطي الزيادة (١١) ، وفي
__________________
(١) البحر المحيط ٧ / ١٧٠.
(٢) الدر المصون ٤ / ٣٢٢.
(٣) انظر : معاني الزجاج ٤ / ١٨٤ قال : وجعله مثلا لهم فقال : «وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» أي قوله : «وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل وانظر أيضا : البحر المحيط ٧ / ١٧٠ و ١٧١ والقرطبي ١٤ / ٢٢ والكشاف ٣ / ٢٢١.
(٤) وهو قول الخليل ، وانظر : إعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٧٠.
(٥) انظر : القرطبي ١٤ / ٢٢.
(٦) السابق.
(٧) الدر المصون ٤ / ٢٢٢.
(٨) المرجع السابق والقرطبي ١٤ / ٢٣.
(٩) المرجعان السابقان والكشاف ٣ / ٢٢١ ، والبحر ٧ / ١٧٠.
(١٠) المراجع السابقة.
(١١) شرطا الزيادة المجرور نكرة ، وكون الاستفهام المضمن معنى النفي سابقا على المجرور ، وقد تزاد في الإيجاب عند الأخفش.