قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) أي أخلص دينك لله قال سعيد بن جبير : وإقامة الوجه إقامة الدين. وقال غيره : سدّد عملك. والوجه ما يتوجه إليه ، وقيل : أقبل بكلّك على (١) الدين. عبر عن الذات بالوجه كقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] أي ذاته بصفاته.
قوله : «حنيفا» حال من فاعل «أقم» أو من مفعوله ، أو من «الدّين» (٢) ومعنى حنيفا مائلا إليه مستقيما عليه (٣) ، ومل عن كل شيء لا يكون في قلبك شيء آخر ، وهذا قريب من معنى قوله : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
قوله : (فِطْرَتَ اللهِ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة كقوله : (صِبْغَةَ اللهِ) [البقرة : ١٣٨] و (صُنْعَ اللهِ) [النمل : ٨٨].
والثاني : أنه منصوب بإضمار فعل (٤). قال الزمخشري : وإنما أضمره على خطاب الجماعة لقوله: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) وهو حال من الضمير في «الزموا» (٥).
وقوله : (وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا ... وَلا تَكُونُوا) معطوف على هذا المضمر ، ثم قال : «أو عليكم فطرت الله» (٦) ورد أبو حيان بأن كلمة الإغراء لا تضمر ، إذ هي عوض عن الفعل فلو حذفها لزم حذف العوض والمعوّض عنه وهو إجحاف (٧). قال شهاب الدين : هذا رأي البصريين وأما الكسائي وأتباعه فيجيزون ذلك (٨).
فصل
ومعنى فطرة الله : دين الله وهو التوحيد (٩) فإن الله فطر الناس عليه حيث أخرجهم من ظهر آدم وسألهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] وقال عليهالسلام «ما من مولود إلّا وهو يولد على الفطرة وإنّما أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه» (١٠) ، فقوله :
__________________
(١) انظر : الطبري ٢١ / ٢٦.
(٢) الكشاف ٣ / ٢٢٢ ، والبحر المحيط ٧ / ١٧١ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٢.
(٣) القرطبي ١٤ / ٢٤.
(٤) أي الزموا فطرة الله أو عليكم فطرة الله ، وانظر هذين الإعرابين في البحر المحيط ٧ / ١٧١ ، والدر المصون ٤ / ٣٢٢ ، ومعاني القرآن ٤ / ١٨٤ ، والتبيان ١٠٤٠ ، والكشاف ٣ / ٢٢٢ ، وإعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٧١.
(٥) انظر : الكشاف ٣ / ٢٢٢ وقد قال الزمخشري عند «فطرة» إن التقدير : الزموا فطرة الله أو عليكم فطرة الله.
(٦) هذا بقية كلام الزمخشري. انظر : الكشاف ٣ / ٢٢٢.
(٧) البحر المحيط ٧ / ١٧٢ مع تصرف طفيف في عبارته.
(٨) الدر المصون ٤ / ٣٢٥.
(٩) معاني الفراء ٢ / ٣٢٤.
(١٠) الحديث في الكشاف ٣ / ٢٢٢ والقرطبي ١٤ / ٢٤ برواية أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.