قال شهاب الدين : وهذا لا يجوز لأنه كان ينبغي أن يقال (١) فهم يتكلمون. و (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) جواب الاستفهام الذي تضمنته «أم» المنقطعة (٢) ، وهذا استفهام بمعنى الإنكار أي ما أنزلنا بما يقولون سلطانا ، قال ابن عباس : حجة وعذرا (٣) ، وقال قتادة : كتابا يتكلم بما كانوا به (٤) يشركو ن «أي ينطق بشركهم».
قوله تعالى : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣٨)
قوله : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) أي الخصب وكثرة المطر (٥)(فَرِحُوا بِها) يعني فرح البطر لما بين حال الشرك الظاهر شركه ، بين حال الشرك الذي دونه وهو من تكون عبادته للدنيا ، فإذا أعطاه رضي ، وإذا منعه سخط وقنط ، ولا ينبغي أن يكون كذلك بل ينبغي أن يعبد الله في الشدة والرخاء.
فإن قيل : الفرح بالرحمة مأمور به قال : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨] وههنا ذمهم على الفرح بالرحمة.
فالجواب : هناك قال افرحوا برحمة الله من حيث إنها مضافة إلى الله ، وههنا فرحوا بنفس الرحمة حتى لو كان المطر من غير الله لكان فرحهم به مثل فرحهم إذا كان من الله (٦).
قوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أي الجدب وقلّة المطر (٧) ، وقيل : الخوف (٨) والبلاء (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من السيئات (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) ييأسون من رحمة الله (٩) ، وهذا خلاف وصف المؤمنين فإنهم يشكرونه عند النعمة ، ويرجونه عند الشدة.
قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) ألم يعلموا أن الكل من الله فالمحق ينبغي أن لا يكون نظره إلى (١٠) ما يوجد بل إلى من يوجد وهو الله ، فلا يكون له تبدل حال وإنما يكون عنده الفرح الدائم ولذلك قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
__________________
(١) انظر : الدر المصون ٤ / ٣٢٧.
(٢) المرجع السابق والبحر المحيط ٧ / ١٧٣.
(٣) انظر : القرطبي ١٤ / ٣٤.
(٤) السابق ١٤ / ٣٣.
(٥) قاله يحيى بن سلام والنقاش ، انظر : القرطبي ١٤ / ٣٤.
(٦) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٢٣.
(٧) قاله السدي القرطبي ١٤ / ٣٤.
(٨) قاله مجاهد المرجع السابق.
(٩) المرجع السابق.
(١٠) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٢٤ وفي تفسير الفخر هذا : «المحقق» وليس «المحق».