كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)(٤٤)
قوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) وجه تعلق الآية بما قبلها أن الشرك سبب الفساد كما قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] وإذا كان الشرك سببه جعل الله إظهارهم الشرك مورثا لظهور الفساد ولو فعل (بهم (١)) ما يقتضيه قولهم لفسدت السموات والأرض ، كما قال تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مريم : ٩٠ ، ٩١] ولهذا أشار بقوله : (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) ، واختلفوا في قوله : (فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ، فقيل : المراد خوف الطوفان في البحر والبر ، وقيل : عدم إنبات بعض الأرض وملوحة مياه البحار. وقيل : المراد قحط المطر وقلة النبات ، وأراد بالبرّ البوادي والمفاوز وبالبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية.
قال عكرمة : العرب تسمي المصر (٢) بحرا تقول : أجدب البر وانقطعت مادة البحر.
قوله : (بِما كَسَبَتْ) أي بسبب كسبهم ، والباء متعلقة «بظهر» أو بنفس (٣) الفساد. وفيه بعد (والمعنى بشؤم ذنوبهم) وقال (ابن (٤)) عطيّة : البر ظهر الأرض الأمصار وغيرها ، والبحر هو البحر المعروف ، والفساد قلة المطر يؤثر في البر والبحر أما تأثيره في البر فهو القحط وأما تأثيره في البحر فيخلو أجواف الأصداف ؛ لأن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ويفتح فاه فما يقع (٥) فيه من المطر صار (٦) لؤلؤا. قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد : الفساد في البرّ قتل أحد ابني آدم أخاه وفي البحر غصب الملك الجائر السفينة (٧). وقال الضحاك : كانت الأرض (٨) خضرة مونقة لا يأتي ابن آدم بشجرة إلا وجد عليها ثمرة وكان ما في البحر عذبا وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم فلما قتل قابيل هابيل اقشعرّت الأرض وشاكت الأشجار ، وصار ماء البحر ملحا زعاقا وقصد الحيوان بعضه بعضا. وقال قتادة (٩) : هذا قبل مبعث النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ امتلأت الأرض ظلما وضلالة فلما بعث الله محمدا ـ عليه الصلاة والسلام (١٠) ـ رجع الراجعون من الناس (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) من المعاصي «يعني كفار مكة».
قوله : «ليذيقهم» اللام للعلة متعلق «بظهر» (١١) ؛ وقيل : بمحذوف (١٢) ، أي عاقبهم
__________________
(١) ساقط من «ب».
(٢) انظر هذه الآراء كلها في تفسير القرطبي ١٤ / ٤٠ و ٤١.
(٣) الكشاف ٣ / ٢٢٤.
(٤) ساقط من «أ» وهي الأصح فهو العوفي.
(٥) في «ب» : فما وقع فيه.
(٦) في «ب» فهو لؤلؤ.
(٧) انظر : تفسير ابن كثير ٣٠ / ٤٣٥.
(٨) المرجع السابق.
(٩) القرطبي ١٤ / ٤٠ و ٤١.
(١٠) في «ب» صلىاللهعليهوسلم.
(١١) انظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٢٥ والدر المصون ٤ / ٣٣٠ والتبيان ١٠٤١.
(١٢) المراجع السابقة.