ولم يبين وقال في المؤمن : (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) تحقيقا لكمال الرحمة ، فإنه عند الخير بيّن بشارة وعند غيره أشار إليه إشارة (١).
قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٤٧)
قوله : «ليجزي» في متعلّقة أوجه :
أحدها : «يمهدون».
والثاني : «يصّدّعون».
والثالث : محذوف (٢). (و) قال ابن عطية : تقديره (٣) : «ذلك ليجزي» وتكون الإشارة إلى (ما تقدر من (٤)) قوله : «من كفر ومن عمل».
هذا قوله وجعل أبو حيان قسيم قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) محذوفا لدلالة قوله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) عليه (٥) هذا إذا علقت اللام ب «يصّدّعون» أو بذلك المحذوف ، قال : تقديره «ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله والكافرين بعدله» (٦).
فصل
قال ابن عباس : «ليجزي الذين آمنوا وعملوا ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم».
قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) لما ذكر ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر أنه سبب العمل الصالح لأن الكريم لا يذكر لإحسانه عوضا ويذكر لإضراره سببا لئلا يتوهم (به) (٧) الظلم فقال : (يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) قيل : بالمطر (٨) كما قال تعالى : (بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [النمل : ٦٣] ، أي قبل الفطرة (٩) ، وقيل مبشرات بصلاح الأهوية والأحوال ؛ فإن الرياح لو لم تهبّ لظهر الوباء والفساد (١٠) وقرأ العامة : «الرياح» جمعا لأجل «مبشرات» ، والأعمش بالإفراد ، وأراد الجنس لأجل (١١) «مبشرات».
__________________
(١) انظر : التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي ٢٥ / ١٢٩ و ١٣٠.
(٢) انظر : الكشاف ٣ / ٢٢٥ والبحر المحيط ٧ / ١٧٧ والدر المصون ٤ / ٣٣٠.
(٣) نقله عنه أبو حيان في البحر المحيط ٧ / ١٧٧.
(٤) ساقط من «ب» ولكنه في البحر و «أ» بالطبع.
(٥) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٧٧.
(٦) المرجع السابق.
(٧) ساقط من «ب».
(٨) انظر : القرطبي ١٤ / ٤٣.
(٩) في تفسير الفخر الرازي المطر بدل القطرة.
(١٠) نقله في التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ١٣٠ و ١٣١.
(١١) الإتحاف ٣٤٨ والبحر ٧ / ١٧٨.