قوله : (وَلِيُذِيقَكُمْ) إما عطف على معنى مبشرات لأن الحال والصفة يفهمان العلة فكان التقدير : «ليبشّر وليذيقكم» (١) وإما أن يتعلق بمحذوف أي وليذيقكم أرسلها ، وإما أن يكون الواو مزيدة على رأي فتتعلق اللام بأن يرسل (٢).
قوله : (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) (نعمته) (٣) بالمطر أو الخصب (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) لما أسند الفعل إلى الفلك عقبه بقوله «بأمره» أي الفعل ظاهر عليه ولكنه بأمر الله ، والمعنى في ولتجري الفلك في البحر بهذه الرياح بأمره وكذلك لما قال : «ولتبتعوا» مسندا إلى العباد ذكر بعده «من (فضله)» (٤).
أي لا استقلال لغيره بشيء ، والمعنى لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه النعم.
فصل (٥)
قال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ ـ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) (وقال ههنا(٦) : (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) فخاطبهم ههنا تشريفا ، ولأن رحمته قريب من المحسنين والمحسنين قريب فيخاطب والمسمّى مبعد فلم يخاطب وقال هناك : (بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا)) فأضاف ما أصابهم إلى أنفسهم ، وأضاف ما أصاب المؤمن إلى رحمته فقال : (مِنْ رَحْمَتِهِ) ؛ لأن الكريم لا يذكر لرحمته وإحسانه عوضا فلا يقول أعطيتك لأنك فعلت كذا بل يقول هذا لك مني ، وأما ما فعلت من الحسنة فجزاؤه بعد عندي ، وأيضا فلو قال : أرسلت بسبب فعلكم لا يكون بشارة عظيمة ، وأما إذا قال من رحمته كان (٧) غاية البشارة وأيضا فلو قال : بما فعلتم لكان ذلك موهما (٨) لنقصان ثوابهم في الآخرة ، وأما في حق الكفار فإذا قال بما فعلتم إنما عن (٩) نقصان عقابهم وهو كذلك وقال (١٠) هناك : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقال ههنا : ولعلكم تشكرون ، قالوا وإشارة إلى توفيقهم للشكر في النعم فعطف على النعم.
(قوله (١١) : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) لما بين الأصلين) بالبراهين ذكر الأصل الثالث وهو (١٢) النبوة فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ
__________________
(١) وهو ما يسمى بالعطف على التوهم البحر ٧ / ٧٨ والدر ٤ / ٢٣١.
(٢) المراجع السابقة.
(٣) ساقط من «ب».
(٤) ساقط من «ب».
(٥) في «ب» فإن قيل بدلا من «فصل».
(٦) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».
(٧) في «ب» كانت رحمته غاية البشارة.
(٨) في «ب» توهما.
(٩) في «ب» بناء على.
(١٠) في «ب» فقال.
(١١) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».
(١٢) وانظر في هذا الفخر الرازي ٢٥ / ١٣١.