قوله : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) وهذا إشارة إلى إزالة الأعذار والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار وأنه لم يبق من جانب الرسول تقصير فإن طلبوا شيئا آخر فذاك عناد محض لأن من كذّب دليلا لا يصعب عليه تكذيب الدلائل بل لا يجوز للمستدل أن يشرع في دليل آخر بعد ذكره دليلا جيّدا مستقيما ظاهرا لا إشكال عليه ، وعانده الخصم لأنه إما أن يعترف بورود سؤال الخصم عليه أو لا يعترف فإن اعترف يكون انقطاعا وهو يقدح في الدليل والمستدلّ إما أن يكون الدليل فاسدا وإما أن المستدل جاهل (١) بوجه الدلالة والاستدلال وكلاهما لا يجوز الاعتراف (به (٢)) من العالم فكيف من النبي عليه الصلاة والسلام (٣) وإن لم يعترف بكون الشّروع في غيره يوهم (٤) أن الخصم معاند فيحترز عن العناد في الثاني أكثر.
فإن قيل : فالأنبياء عليهم (الصلاة (٥) و) السلام ذكروا أنواعا من الدلائل ، فنقول : سردوها سردا ثم فردوها فردا فردا (كما (٦)) يقول : الدليل عليه من وجوه : الأول : كذا ، والثاني : كذا ، والثالث : كذا. وفي مثل هذا الواجب عدم الالتفات إلى عناد المعاند لأنه يريد تضييع الوقت كي لا يتمكن المستدلّ من الإتيان بجميع ما وعد من الدليل فتنحطّ درجته وإلى هذا أشار بقوله : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) أي ما أنتم إلا على باطل ، ووحد في قوله : «جئتهم» وجمع في قوله : «إن أنتم» لنكتة وهي أنه تعالى أخبر في موضع آخر فقال : «ولئن جئتهم بكل آية» أي جاءت بها الرسل فقال الكفار ما أنتم أيها المدعون الرسالة (كلكم (٧)) إلا كذا.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)(٦٠)
قوله : (كَذلِكَ يَطْبَعُ) أي مثل ذلك الطبع يطبع الله على قلوب الّذين لا يعلمون توحيد الله.
(فإن قيل : من (٨) لا يعلم شيئا أيّ فائدة في الإخبار عن الطبع على قلبه؟
فالجواب :) معناه أن من لا يعلم الآن فقد طبع على قلبه من قبل ، ثم إنه تعالى
__________________
(١) في «ب» وإما أن يكون المستدل جاهلا وفي تفسير الفخر وإما بأن المستدلّ جاهل.
(٢) ساقط من «ب» وموجود في تفسير الرازي.
(٣) في «ب» صلىاللهعليهوسلم.
(٤) في تفسير الرازي : «موهما أن الخصم ليس معاندا فيكون اجتراؤه على العناد في الثاني».
(٥) زيادة من «ب».
(٦) ساقط من «ب» وفي تفسير الرازي «كمن يقول الدليل ....»
(٧) ساقط من «ب».
(٨) ما بين القوسين ساقط من «ب» وموجود بأكمله في الفخر الرازي.