والمدح ثانيا ، ومن أول المدح إلى آخر الدعاء كلام إبراهيم ـ عليهالسلام (١) ـ فجعل الشيء الواحد وهو كقوله : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) كلام غيره ممّا يبطل نظم الكلام ويفسده.
وأما قوله : إن الطمع هو اليقين (فهذا) (٢) على خلاف اللغة.
وأما الثالث وهو أن المراد تعليم الأمة فباطل أيضا (٣) ، لأن (٤) حاصله يرجع إلى أنه كذب على نفسه لغرض تعليم الأمة ، وإنه باطل أيضا (٥). فإن قيل : لم أسند إلى نفسه الخطيئة مع أن الأنبياء منزهون عن الخطايا؟ فالجواب (٦) من وجوه :
أحدها : قال مجاهد : هي قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩] وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) [الأنبياء : ٦٣] وقوله لسارة : «هذه أختي» (٧) وزاد الحسن قوله للكوكب : (هذا رَبِّي)(٨) [الأنعام : ٧٦].
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ، لأن نسبة الكذب إليه غير جائز (٩).
وثانيها : أنه ذكره على سبيل التواضع وهضم النفس.
قال ابن الخطيب : وهذا ضعيف ، لأنه إن كان صادقا في هذا التواضع فقد لزم الإشكال ، وإن كان كاذبا فحينئذ يرجع حاصل الجواب إلى إلحاق المعصية به ، وهو منزه عن المعصية (١٠).
وقال : وثالثها ، وهو الجواب الصحيح : أن يحمل ذلك على ترك الأولى ، وقد يسمى ذلك خطأ ، فإن من ملك جوهرة أمكنه أن (١١) يبيعها بألف ألف دينار ، فباعها بدينار ، قيل : إنه أخطأ ، وترك الأولى على الأنبياء جائز (١٢).
فإن قيل : ما فائدة قوله : (يَغْفِرَ لِي)؟
فالجواب من وجوه : الأول : أن الأب إذا عفا عن ولده ، والسيد عن عبده ، والزوج عن زوجته فإنما يكون ذلك طلبا للثواب ، أو لحسن الثناء والمحمدة ، أو (١٣) دفعا للألم الحاصل من الرقة الجنسية ، وإذا كان كذلك لم يكن عفوه إلا رعاية جانب نفسه ، إما لتحصيل ما ينبغي ، أو لدفع ما لا ينبغي ، وأما الإله سبحانه فإنه كامل بذاته فيستحيل أن
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) فهذا : تكملة من الفخر الرازي.
(٣) أيضا : سقط من ب.
(٤) في ب : لأنه. وهو تحريف.
(٥) الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٥ ـ ١٤٦.
(٦) في ب : والجواب.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٦ ، القرطبي ١٣ / ١١٢.
(٨) [الأنعام : ٧٦] ، (٧٧ ، ٧٨). وانظر القرطبي ١٣ / ١١٢.
(٩) الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٦.
(١٠) المرجع السابق.
(١١) في الأصل : بأن.
(١٢) الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٦.
(١٣) في ب : و.