فيهما (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي إن الكل لله وهو غير محتاج إليه غير منتفع به وخلق منافعها لكم ، فهو غني لعدم حاجته «حميد» مشكور (لدفعه (١)) حوائجكم بها.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ)(٣٢)
قوله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ...) الآية. لما قال : لله ما في السماوات والأرض أوهم تناهي ملكه لانحصار ما (٢) في السموات والأرض فيهما وحكم العقل الصريح بتناهيهما بين أن في قدرته وعلمه عجائب لا نهاية لها فقال : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) يكتب بها والأبحر مداد لا تغني عجائب صنع الله ، قال المفسرون نزل بمكة قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) [الإسراء : ٨٥] ، إلى قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) فلما هاجر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أتاه أحبار اليهود فقالوا يا محمد : بلغنا أنك تقول : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، أفعنيتنا أم قومك؟ فقال ـ عليهالسلام ـ : كلا قد عنيت. قالوا : ألست تتلو فيما جاءك (٣) إنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : هي في علم الله قليل ، وقد أتاكم ما إن عملتم به انتفعتم قالوا يا محمد : كيف تزعم هذا وأنت تقول : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) فكيف يجمع (٤) هذا علم قليل وخير كثير؟ فأنزل الله هذه الآية (٥). وقال قتادة : إن المشركين (٦) قالوا : إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفذ فينقطع فنزلت : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ). ووحّد الشجرة (٧) ، وجمع الأقلام ولم يقل : ولو أن ما في الأرض من الأشجار أقلام ولم يقل من شجرة قلم إشارة إلى التكثير يعني لو أن بعدد كلّ شجرة أقلاما ، قال الزمخشري (٨) :
__________________
(١) ساقط من «ب».
(٢) في «ب» من.
(٣) في «ب» ما جاءك.
(٤) في «ب» يجتمع.
(٥) وهو قول ابن عباس ، انظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٤ / ٧٦ وأسباب النزول للسيوطي ١٣٥.
(٦) ذكره الفخر الرازي في التفسير الكبير ٢٥ / ١٥٧.
(٧) المرجع السابق.
(٨) انظر : تفسير الكشاف له ٣ / ٢٣٦.