أي (١) خلقه خلقا ، ورجّح على (٢) بدل الاشتمال بأن فيه إضافة المصدر إلى فاعله ، وهو أكثر من إضافته إلى المفعول وبأنه أبلغ في الامتنان (٣) لأنه إذا قال : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ) كان أبلغ م ن «أحسن خلق كل شيء» ؛ لأنه قد يحسن الخلق وهو المحاولة ولا يكون الشيء في نفسه «حسنا» وإذا قال : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ) اقتضى أن كل (شيء) خلقه حسن بمعنى أنه وضع كل شيء في موضعه(٤). وأما القراءة الثانية «فخلق» فيها فعل ماض ، والجملة صفة للمضاف أو أو المضاف إليه فتكون منصوبة المحل أو مجرورته (٥).
قوله : (وَبَدَأَ) العامة على الهمز. وقرأ الزّهريّ (٦) «بدأ» بألف خالصة وهو خارج عن قياس تخفيفها إذ قياسه (٧) بين بين على أنّ الأخفش حكى قريبا (٨). وجوز أبو حيان أن يكون من (٩) لغة الأنصار ، يقولون في «بدا» «بدي» بكسر وبعدها ياء كقول عبد الله بن رواحة الأنصاري :
٤٠٦٢ ـ باسم الإله وبه بدينا |
|
ولو عبدنا غيره شقينا (١٠) |
قال : وطيىء تقول في تقى تقاء (١١) ، قال : فاحتمل أن تكون قراءة الزهري من هذه اللغة أصله «بدي» ثم صار (١٢) «بدأ» ، قال شهاب الدين : فتكون القراءة مركبة من (١٣) لغتين.
فصل
(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) يعني ذلك الذي صنع ما ذكر من خلق السماوات والأرض عالم ما غاب عن الخلق وما حضر (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) لما بين أنه عالم ذكر أنه «عزيز» قادر على الانتقام من الكفرة «رحيم» واسع الرحمة على البررة (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) أي أحسن خلق كلّ شيء (١٤). قال ابن عباس : أتقنه (١٥) وأحكمه وقال
__________________
(١) انظر : الكتاب ١ / ٣٨١.
(٢) في «ب» ورجع الأمر على بدل الاشتمال.
(٣) في «ب» في الإضافة.
(٤) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٩٩.
(٥) انظر : مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٨٧ والبيان ٢ / ٢٥٨ والتبيان ١٠٤٨ وتفسير القرطبي ١٤ / ٩٠ والدر المصون ٤ / ٣٥٦.
(٦) ذكرها ابن جني في المحتسب ٢ / ١٧٣ وانظر البحر ٧ / ١٩٩.
(٧) ذكره في المرجع السابق.
(٨) عبارة البحر : «على أن الأخفش حكى في قرأت : قريت» ، انظر : البحر ٧ / ١٩٩.
(٩) المرجع السابق.
(١٠) رجز لعبد الله بن رواحة والشاهد : «بدينا» والأصل : «بدأنا» فقلبت الهمزة ياء على لغة الأنصار وانظر : بحر أبي حيان ٧ / ١٩٩ ، والأشموني ٣ / ٤٢ واللسان (بدا) والبداية والنهاية لابن كثير ٤ / ٩٧ وإعراب ثلاثين سورة ١١ ، وتاج اللغة «بدي» وتاج العروس للزّبيدي ١ / ١٣٩.
(١١) في البحر بقي ـ بقاء.
(١٢) المرجع السابق.
(١٣) الدر المصون ٤ / ١٣٩.
(١٤) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ١٧٣.
(١٥) القرطبي ١٤ / ٩٠.