فكأنه قيل : لا ينفع البنون إلا من أتى من البنين بقلب سليم فإنه ينفع نفسه بصلاحه وغيره بالشفاعة.
والطريقة الثانية : أن نقدر مضافا محذوفا قيل «من» أي : إلا مال من ، أو بنو من ، فصارت الأوجه خمسة (١). ووجه الزمخشري اتصال الاستثناء بوجهين :
أحدهما : إلا حالة (٢)(مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وهو من قوله :
٣٩١٣ ـ تحية بينهم ضرب وجيع (٣)
وما ثوابه إلا السيف ، ومثاله أن يقال : هل لزيد مال وبنون؟ فيقال : ماله وبنوه سلامة (٤) قلبه ، يريد نفي المال والبنين عنه ، وإثبات سلامة قلبه بدلا عن ذلك (٥).
والثاني : قال : وإن (٦) شئت حملت الكلام على المعنى وجعلت المال والبنين في معنى الغنى ، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا من أتى الله ، لأن غنى الرجل في دينه بسلامه قلبه ، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه (٧).
فصل
وفي «السليم» ثلاثة أوجه :
قال ابن الخطيب : أصحها : أن المراد منه سلامه النفس (٨) عن الجهل والأخلاق الرذيلة (٩). وقيل : السليم : الخالص من الشرك والشك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد ، وهذا قول أكثر المفسرين (١٠). وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم هو الصحيح ، وهو قلب المؤمن ، لأن قلب الكافر والمنافق مريض ، قال الله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)(١١)(١٢). وقيل : السليم : هو (١٣) اللديغ من خشية الله (١٤). وقيل : السليم : هو الذي سلم وأسلم وسالم واستسلم (١٥).
قوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما
__________________
(١) الدرر المصون ٥ / ١٥٩.
(٢) في الكشاف : حال.
(٣) عجز بيت من بحر الوافر ، قاله عمرو بن معديكرب ، وصدره :
وخيل قد دلفت لها بخيل
وقد تقدم.
(٤) في ب : وسلامة.
(٥) الكشاف ٣ / ١١٨.
(٦) في ب : إن.
(٧) الكشاف ٣ / ١١٨.
(٨) في الفخر الرازي : القلب.
(٩) الفخر الرازي ٢٤ / ١٥١.
(١٠) انظر القرطبي ١٣ / ١١٤.
(١١) ورد في القرآن إحدى عشرة مرة ، أولها [البقرة : ١٠]. انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن (٦٦٤).
(١٢) انظر القرطبي ١٣ / ١١٤.
(١٣) هو : سقط من ب.
(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥١.
(١٥) المرجع السابق.