في قوله : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) إلا الأخوين ، فإنهما خالفا أصلهما هنا فقراء في المجادلة بتشديد الظاء كقراءة ابن عامر. والظهار مشتق من الظّهر ، وأصله أن يقول الرجل لامرأته (١) : «أنت علي كظهر أمي» وإنما لم يقرأ الأخوان بالتخفيف في المجادلة لعدم المسوّغ (٢) له وهو الحذف ؛ لأن الحذف إنما كان لاجتماع مثلين وهما التاءان وفي المجادلة ياء من تحت وتاء من فوق فلم يجتمع مثلان فلا حذف فاضطر إلى الإدغام وهذا ما قرىء به متواترا (٣) ، وقرأ ابن وثاب «تظهّرون» بفتح التاء والظاء مخففة وتشديد (٤) الهاء والأصل : تتظهّرون مضارع «تظهّر» مشددا ، فحذف إحدى التاءين ، وقرأ الحسن «تظهّرون» بضم التاء وفتح الظاء مخففة وتشديد الهاء مكسورة مضارع «ظهّر» مشددا (٥) وعن أبي عمرو «تظهرون» بفتح التاء والهاء وسكون الظاء مضارع «ظهر» مخففا (٦) وقرأ أبيّ ـ وهي في مصحفه كذلك ـ تتظهّرون ـ بتاءين (٧) فهذه تسع قراءات ، أربع متواترة ، وخمس شاذة ، وأخذ هذه الأفعال من لفظ «الظّهر» كأخذ «لبّى» من التّلبية ، و «أفف» من أفّ. وإنما عدي «بمن» لأنه ضمن معنى التباعد كأنه قيل : يتباعدون من نسائهم بسبب الظهار كما تقدم في البقرة في تعدية الإيلاء (بمن (٨)).
فصل
الظهار أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي ، فقال الله تعالى : ما جعل الله نساءكم اللاتي تقولون لهم هذا في التحريم كأمهاتكم ولكنه منكر وزور. وفيه كفارة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في سورة المجادلة.
قوله : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) (يعني) (٩) ما جعل من تبنّيتموهم أبناءكم ، (نسخ (١٠)) التبني (١١) ، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يتبنى الرجل فيجعله كالابن يدعوه الناس إليه ويرث ميراثه ، وكان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل
__________________
(١) في «ب» لزوجته.
(٢) في «ب» لعدم مثل له.
(٣) نقله السمين في الدر المصون ٤ / ٣٦٤.
(٤) انظر : البحر ٧ / ٢١١ وقد نقل عنه أيضا أنه قرأ «تظهرون» بضم التاء وكسر الهاء وسكون الظاء من «أظهر» وكلتا القراءتين شاذتان ، انظر : بحر أبي حيان ٧ / ٢١١.
(٥) من القراءت الشاذة أيضا غير المتواترة ذكرها ابن خالويه في مختصره ١١٨ والإتحاف ٣٥٣ ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٣٤.
(٦) ابن خالويه ١١٨ والبحر المحيط ٧ / ٢١١ والدر المصون ٤ / ٣٦٤.
(٧) المرجعان السابقان.
(٨) يشير إلى الآية ٢٢٦ وهي قوله تعالى : «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ» وقد ذكر هناك أن الإيلاء عدي بمن أي يبعدون من نسائهم ، انظر : اللباب ١ / ٤٠٢ ب.
(٩) سقط من «ب».
(١٠) سقط من «ب».
(١١) في «ب» التبين وهو تحريف.