قوله : (ثُمَّ سُئِلُوا) قرأ مجاهد «سويلوا» بواو ساكنة ثم ياء مكسورة «كقوتلوا» (١). حكى أبو زيد : هما يتساولان بالواو (٢) ، والحسن : سولوا (٣) بواو ساكنة فقط فاحتملت وجهين :
أحدهما : أن يكون أصلها : سيلوا كالعامة ، ثم خففت الكسرة فسكنت كقولهم في ضرب ـ بالكسر ـ ضرب بالسكون فسكنت الهمزة بعد ضمة فقلبت واوا نحو : بوس في بؤس.
والثاني : أن يكون من لغة الواو (٤) ، ونقل عن أبي عمرو أنه قرأ سيلوا بياء ساكنة بعد كسرة نحو : قيلوا (٥).
قوله : «لأتوها» قرأ نافع وابن كثير بالقصر بمعنى لجاؤوها وغشوها (٦) ، والباقون بالمد بمعنى لأعطوها ومفعوله الثاني محذوف تقديره : لآتوها السائلين. والمعنى ولو دخلت البيوت أو المدينة من جميع نواحيها ثم سئل أهلها الفتنة لم يمتنعوا من إعطائها ، وقراءة المد يستلزم قراءة القصر من غير عكس بهذا المعنى الخاص (٧).
قوله : (إِلَّا يَسِيراً) أي إلا تلبّثا أو إلا زمانا يسيرا (٨). وكذلك قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب : ١٦ ـ ١٨] أي إلا تمتّعا أو إلا زمانا قليلا.
فصل
دلت الآية على أن ذلك الفرار والرجوع ليس لحفظ البيوت لأن من يفعل فعلا لغرض فإذا فاته الغرض لا يفعله فقال تعالى هم قالوا بأن رجوعنا عنك لحفظ بيوتنا ولو دخلها الأحزاب وأخذوها منهم لرجعوا أيضا فليس رجوعهم عنك إلا بسبب كفرهم وحبهم الفتنة وهي الشرك. (وَما تَلَبَّثُوا بِها) أي ما تلبثوا بالمدينة أو البيوت (إِلَّا يَسِيراً) وأن المؤمنين يخرجونهم قاله الحسن (٩) ، وقيل : ما تلبثوا أي(١٠) ما احتبسوا عن الفتنة ـ
__________________
(١) ذكرها ابن خالويه في المختصر ١١٨ وفيه «سوئلوا» بالهمزة.
(٢) نقله عنه ابن جني في المحتسب ٢ / ١٧٧ ولم أجده في النوادر.
(٣) في المحتسب أنها : «سولوا» بضم السين قال : «ومن ذلك قراءة الحسن : «ثم سولوا الفتنة» مرفوعة السين ، ولا يجعل فيها ياء ولا يمدها» انظر : ٣٦٥ / ١٧٧ وانظر : شواذ القرآن للكرماني ١٩٣.
(٤) الدر المصون ٤ / ٣٧١.
(٥) وجدت في مختصر ابن خالويه : أن هذه القراءة بضم السين وكسر الياء «سيلوا» قال : «من غير همز عبد الوارث عن أبي عمرو والأعمش» المختصر ص ١١٨ ومن المحتمل أن تكون قراءة أخرى وتنسب إلى أبي عمرو وينظر أيضا شواذ القرآن ١٩٣.
(٦) السبعة لابن مجاهد ٥٢٠ والإتحاف للبناء ٣٥٤ ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٣٧.
(٧) نقله السمين في الدر المصون ٤ / ٣٧١.
(٨) انظر : التبيان ١٠٥٣ والدر المصون ٤ / ٣٧١ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ١٩٥.
(٩) وهو قول السدي أيضا نقله في زاد المسير ٦ / ٣٦٢.
(١٠) وهو رأي قتادة. انظر : المرجع السابق.