أو حمل الثاني على الأول لما في العصمة من معنى المنع قال أبو حيان : أما الوجه الأول فيه حذف جملة لا ضرورة تدعو إلى حذفها ، والثاني هو الوجه لا سيما إذا قدر مضاف محذوف أي يمنعكم من مراد الله (١) ، قال شهاب الدين : وأين الثاني من الأول ولو كان معه حذف جمل (٢)؟.
فصل
المعنى من ذا الذي يمنعكم من الله إن أراد بكم سوءا هزيمة أو أراد بكم رحمة نصرة ، وهذا بيان لما تقدم من قوله : (لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ) وقوله : (وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) تقرير لقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ) أي ليس لكم شفيع أي قريب ينفعكم ولا نصير ينصركم ويدفع عنكم السوء إذا أتاكم (٣).
قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٩) يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ
__________________
ـ أن هنا محذوف تقديره : متقلدا سيفا ومعتقلا رمحا لأن علماء اللغة قالوا إنه يقال : تقلّد فلان سيفه ولا يقال : رمحه. وانظر : الكشاف ٣ / ٢٥٥ والبحر المحيط ٧ / ٢١٩ ، والإنصاف ٦١٢ ، والكامل ١ / ٣٣٤ ، والمقتضب ٥١ والخصائص ٢ / ٤٣١ وشرح ابن يعيش ٢ / ٥٠ وأمالي المرتضى ١ / ٥٤ و ٢ / ٢٦٠ و ٣٧٥ والهمع ٢ / ٥١ والأشموني ٢ / ١٧٢ والبيضاوي ٢ / ١٢٩.
(١) البحر ٧ / ٢١٩.
(٢) في الدّرّ : «حمل» كما هنا وفي النسختين جملة وانظر : الدر المصون ٤ / ٣٧٣.
(٣) قاله الإمام الفخر الرازي ٢٥ / ٢٠١ و ٢٠٠.