زيد ، وكذبني عمرو» أي قال لي الصدق وقال الكذب ، ويكون المعاهد عليه مصدوقا مجازا كأنهم قالوا للشيء المعاهد عليه لنوفين بك وقد فعلوا (١) و «ما» بمعنى الذي ، ولذلك عاد عليها الضمير في «عليه» (٢) ، وقال مكي «ما» في موضع نصب «بصدقوا» وهي والفعل مصدر تقريره «صدقوا» العهد أي وفوا به (٣). وهذا يرده عود المضير إلا أن الأخفش وابن السراج (٤) يذهبان إلى اسمية «ما» المصدرية.
(قوله (٥)) : (قَضى نَحْبَهُ) النحب ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به قال :
٤٠٧٩ ـ عشيّة فرّ الحارثيّون بعدما |
|
قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر (٦) |
وقال :
٤٠٨٠ ـ بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا |
|
عشيّة بسطام جرين على نحب (٧) |
أي على أمر عظيم ، ولهذا يقال : نحب فلان أي نذر نذرا التزمه ويعبر به عن الموت كقولهم «قضى أجله» (٨) لما كان الموت لا بد منه جعل كالشيء الملتزم والنحيب البكاء معه صوت.
فصل
قال المفسرون معنى (صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) أي وفوا بعهدهم الذي عاهدوا الله (فَمِنْهُمْ نَحْبَهُ) أي فرغ من نذره ووفاه بعهده فصبر على الجهاد وقاتل حتى قتل
__________________
(١) المرجعان السابقان.
(٢) انظر : مشكل الإعراب لمكي ٢ / ١٩٥ ثم البيان ٢ / ١٦٧.
(٣) هو أبو بكر محمد بن السري المعروف بابن السراج كان أحد العلماء المذكورين وأئمة النحو المشهورين أخذ عن أبي العباس المبرد وأخذ عنه الزجاجي والسيرافي وغيرهما مات سنة ٣١٠ ه انظر : نزهة الألباء ١٦٦.
(٤) زيادة من «ب».
(٥) قاله القرطبي في ١٤ / ١٥٨ و ١٦٠ وغريب القرآن ٣٤٩ وتأويل مشكل القرآن ـ وكلاهما لابن قتيبة ١٨٣.
(٦) هو من بحر الطويل وهو لذي الرمة ، ويروى : «في ملتقى الخيل» بدل «القوم» وهو يفتخر بشجاعة قومه وإقدامهم. و «هوبر» اسم رجل والشاهد في «نحبه» فهو هنا بمعنى الوفاء والأجل والعهد الذي التزم الإنسان به على نفسه وهو الشاهد المراد وهناك شاهد آخر لا صلة لنا به الآن وهو حذف المضاف دون ما دليل يدل عليه وهو من ضرورات الشعر التي لا يقاس عليها والأصل : ابن هوبر فحذف «ابن» وهذا قد يؤدي إلى اللبس انظر : ابن يعيش ٣ / ٢٤ والقرطبي ١٤ / ١٦٠ برواية «الخيل» وفتح القدير ٤ / ٢٧١ والهمع ٢ / ٥١ والطبري ٢١ ص ٩٢ ، والدر المصون ٤ / ٣٧٨.
(٧) البيت من الطويل وهو لجرير وطخفة مكان وبسطام : يوم لهم وشاهده «نحب» فإن المعنى الخطر العظيم وانظر : ديوانه ٨٢ واللسان : «ن ح ب» ٤٣٦٢ والبحر ٧ / ٢٠٨ ، وفتح القدير ٤ / ٢٧١ ومجمع البيان ٧ / ٥٤٨ والدر المصون ٤ / ٣٧٨.
(٨) قاله الفراء في معانيه ٢ / ٣٤٠ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٥٦.