وعد سواء ، ووزنه على هذا «علن» ، قال البغوي : الأصح (١) أنه أمر من «الوقار» كقولك من الوعد «عدنا» ، ومن الوصل «صلنا». وهذه الأوجه المذكورة إنما يهتدي إليها من مرن في علم التصريف وإلا ضاق بها ذرعا.
قوله : (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ) مصدر تشبيهيّ أي مثل تبرج والتبرج الظهور من البرج لظهوره ، وقد تقدم (٢) ، وقرأ البزّيّ : «ولا تبرجن» بإدغام التاء في التاء ، والباقون بحذف إحداهما وتقدم تحقيقه في البقرة (٣) في : (وَلا تَيَمَّمُوا).
فصل
قال المفسرون وقرن أي الزمن بيوتكنّ من قولهم : قررت بالمكان أقر قرارا يقال : قررت : أقر وقررت : أقر ، وهما لغتان ، فإن كان من الوقار أي كن أهل وقار وسكون من قولهم : وقر فلان يقر وقورا إذا سكن واطمأن ، و (لا تَبَرَّجْنَ) قال مجاهد وقتادة التبرج هو التكسر والتغنج ، وقال ابن أبي نجيح(٤) : هو التبختر ، وقيل : هو إظهار الزينة (٥) ، وإبراز المحاسن للرجال (تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) قال الشعبي (٦) : هي ما بين عيسى ومحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقال أبو العالية : هي (٧) بين داود وسليمان ـ عليهماالسلام ـ ، وكانت المرأة تلبس قميصا من الدر غير مخيط الجانبين فيرى حلقها فيه ، وقال الكلبي : كان ذلك في زمن نمروذ ، وكانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه ، وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره ، وتعرض نفسها على الرجال ، وروى عكرمة عن ابن عباس أنه (٨) قال : الجاهلية الأولى أي فيما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دمامة ، وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة ، وإن إبليس أتى رجلا من أهل السهل وأجر
__________________
(١) قاله البغوي في معالم التنزيل ٤ / ٣٥٨ بلفظ «عدن وصلن».
(٢) في سورة النور من قوله تعالى : «غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ»وهي الآية ٦٠ من سورة النور. وانظر اللباب ٦ / ٣٠١.
(٣) الإتحاف ٣٥٥ ، والدر المصون ٤ / ٣٨٧ وقد قال هناك من الآية (٢٧٦) بعدم تشديد التاء في تلك الآية وما أشبهها من مواضع في القرآن وحجته هو من التثاقل الناشىء من اجتماع مثلين وتعذر إدغام الثانية في تاليها نزل اتصال الأولى بسابقتها منزلة اتصالها بكلمتها فأدغمت في الثانية تخفيفا مراعاة للأصل والرسم اللباب ١ / ٢٠١.
(٤) هو عبد الله بن أبي نجيح ، الثقفي مولاهم أبو يسار المكي عن طاوس ومجاهد وعنه عمرو بن شعيب وأبو إسحاق الفزاري وشعبة روى عنه ابن عيينة مات سنة ١٣١ ه الخلاصة ٢١٧ وانظر رأيه في القرطبي ١٢ / ٣٠٩.
(٥) هذا قول الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٢٥.
(٦) زاد المسير ٦ / ٣٨٠ والقرطبي ١٤ / ١٨٠.
(٧) السابقان.
(٨) زاد المسير ٦ / ٣٨١.