وقد تقدم ذلك مشبعا في النّحل في قوله : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ)(١) ، وفي قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم : ٢٥] (وقوله) (٢) : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) [القصص : ٣٢].
قوله : «وتخفي» فيه أوجه :
أحدها : أنه معطوف على «تقول» أي وإذ تجمع بين قولك كذا وإخفاء كذا وخشية الناس (٣) قاله الزمخشري.
الثاني : أنها واو الحال أي تقول كذا في هذه الحالة. قاله الزمخشري أيضا (٤) ، وفيه نظر حيث إنه مضارع مثبت فكيف تباشره الواو؟ وتخريجه كتخري ج «قمت وأصك عينه» أعني على إضمار مبتدأ.
الثالث : أنه مستأنف قاله الحوفي (٥) ، وقوله : (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) تقدم مثله في براءة(٦).
فصل
قال المفسرون إن الآية نزلت في زينب بنت جحش ، وذلك أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما زوج «زينب» من «زيد» مكثت عنده حينا ثم إن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أتى زيدا ذات يوم لحاجة فأبصر زينب قائمة في درع وخمار ، وكانت بيضاء وجميلة ذات خلق من أتمّ نساء قريش فوقعت في نفسه ، وأعجبه حسنها فقال : سبحان (٧) الله مقلّب القلوب وانصرف فلما جاء زيد ذكرت ذلك له ، ففطن زيد فألقي في نفس زيد كراهتها في الوقت فأتى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : إن أريد أن أفارق صاحبتي قال : ما لك أرابك (٨) منها شيء قال : لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلا خيرا ، ولكنها تتعظم عليّ لشرفها وتؤذيني بلسانها. فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أمسك عليك زوجك يعني زينب بنت جحش واتّق الله في أمرها ثم طلّقها زيد ، فذلك قوله عزوجل : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق وهو زيد بن حارثة (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) فيها ولا تفارقها (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) أي تسرّ في نفسك ما الله مظهره أي كان في قلبه لو فارقها تزوجها. وقال ابن عباس (٩) : حبها ، وقال قتادة : ودّ أنه لو طلقها (١٠)(وَتَخْشَى النَّاسَ) قال ابن عباس والحسن (١١) : تستحييهم ، وقيل : تخاف لائمة (١٢) الناس أن يقولوا
__________________
(١) من الآية ٥٧ منها.
(٢) زياد يتم بها الكلام.
(٣) الكشاف ٣ / ٢١٣ قال : كأنه قيل : وإذ تجمع بين قولك أمسك وإخفاء خلافه وخشية الناس والله أحق أن تخشاه حتى لا تفعل مثل ذلك.
(٤) المرجع السابق.
(٥) ذكره أبو حيان في البحر ٧ / ٢٣٥.
(٦) يشير إلى قوله : «أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ» من الآية ١٣.
(٧) وهذا هو رأي مقاتل ، انظر : تفسير القرطبي ١٤ / ١٩٠.
(٨) في «ب» ما رأيك منها شيء.
(٩) المرجع السابق.
(١٠) وهذا رأي مقاتل وابن جريج أيضا ، انظر : زاد المسير ٦ / ٣٨٧.
(١١) قاله الإمام القرطبي في تفسيره ١٤ / ١٩٠.
(١٢) نقله ابن الجوزي في الزاد المرجع السابق.