قوله : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) أي فيما أحل الله له.
قوله : (سُنَّةَ اللهِ) منصوب على المصدر (١) ك (صُنْعَ اللهِ) [النمل : ٨٨] و (وَعْدَ اللهِ) [الزمر : ٢٠] أو اسم وضع موضع (٢) المصدر أو منصوب «بجعل» أبو بالإغراء أي فعليه سنة الله ، قاله (٣) ابن عطية ورده أبو حيان بأن عامل الإغراء لا يحذف ، وبأن فيه إغراء الغائب وما ورد منه مؤول على ندوره نحو : «عليه رجلا ليسني» (٤). قال شهاب الدين : وقد (٥) ورد قوله عليهالسلام : «وإلا فعليه بالصوم» (٦) فقيل : هو إغراء ، وقيل : ليس به وإنما هو مبتدأ وخبر ، والباء زائدة في المبتدأ وهو تخريج فاسد المعنى ، لأن الصوم ليس واجبا على ذلك. وقال البغوي : نصب (٧) بنزع الخافض أي كسنّة الله.
فصل
المراد بسنة الله في الذين خلوا من قبل أي في الأنبياء الماضين أن لا يؤاخذهم بما أحل لهم ، قال الكلبي ومقاتل (٨) : أراد داود حين جمع بينه وبين المرأة التي هويها فكذلك جمع بين محمد وبين زينب ، وقيل : أراد بالسنة النكاح ، فإنه من سنة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) مقضيّا كائنا ماضيا. واعلم أن في قوله أولا : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) ، وقوله ثانيا : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) لطيفة وهي أن الله تعالى لما قال : (زَوَّجْناكَها) قال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) ، أي تزويجنا زينب إياك كان مقصودا شرعيا مقضيّا مراعى ، ولما قال : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا) أشار إلى قصة داود حين افتتن بامرأة «أوريا» قال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) أي كان ذلك حكما تبعيا (٩).
قوله : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ) يجوز أن يكون تابع ا «للذين خلوا» وأن يكون مقطوعا عنه رفعا ونصبا على إضمار : «هم» أو أعني ، أو أمدح (١٠).
__________________
(١) قاله في المشكل ٢ / ١٩٨ والسمين في الدر ٤ / ٣٩١.
(٢) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٦٤.
(٣) ذكره أبو حيان في البحر ٧ / ٢٣٦.
(٤) المرجع السابق ويقصد أبو حيان أن الإغراء لا يكون إلا للمخاطب وأما ما ورد من قولهم : «عليه رجلا» فمؤول أي ليلزم رجلا غيري. انظر : ابن يعيش ٢ / ٢٩ ، والأشموني ٣ / ١٩٢ والتصريح ٢ / ١٩٥.
(٥) الدر المصون ٤ / ٣٩١.
(٦) أورده الإمام البخاري في صحيحه كتاب النكاح ٢ / ١٥٨.
(٧) قاله في معالم التنزيل ٥ / ٢٦٤ وقال : «وقيل نصب على الإغراء».
(٨) المرجع السابق. وانظر : زاد المسير ٦ / ٣٩٢.
(٩) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢١٣.
(١٠) انظر : التبيان ١٠٥٧ والدر المصون ٤ / ٣٩١ والكشاف ٣ / ٢٦٤.