فصل
الصلاة من الله رحمة ، ومن الملائكة استغفار ، فقيل : إن اللفظ المشترك يجوز استعماله في معنييه معا وكذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ جائز. قال ابن الخطيب (١) : وينسب هذا القول للشافعي رحمهالله ، وهو غير بعيد ؛ وذلك لأن الرحمة والاستغفار مشتركان في العناية بحال المرحوم والمستغفر له والمراد هو القدر المشترك فتكون الدلالة واحدة ، ثم قال : (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان يعني (أنه) (٢) برحمته وهدايته ودعاء الملائكة لكم أخرجكم من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان. (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) وهذا بشارة لجميع المؤمنين وأشار بقوله : (يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) أن هذا غير مختص بالسامعين وقت الخطاب. قوله : «تحيّتهم» يجوز أن يكون مصدرا مضافا لمفعوله ، وأن يكون مضافا لفاعله ومفعوله على معنى أن بعضهم يحيّي بعضا ، فيصح أن يكون الضمير للفاعل والمفعول باعتبارين لا أنه يكون فاعلا ومفعولا من وجه واحد (٣) وهو قول من قال : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) [الأنبياء : ٧٨] أنه مضاف للفاعل والمفعول.
فصل
المعنى تحية المؤمنين يوم يلقونه أي يرون الله سلام أي يسلم الله عليهم ويسلمهم من جميع الآفات ، وروي عن البراء بن عازب (٤) قال : تحيتهم يوم يلقونه سلام يعني ملك الموت لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه. وعن ابن مسعود (٥) قال : إذا جاء ملك يقبض روح المؤمن قال : ربّك يقرئك السلام ، وقيل: تسلم عليهم الملائكة تبشرهم حين يخرجون (٦) من قبورهم ثم قال : (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) يعني الجنة.
فإن قيل : الإعداد إنما يكون ممّن (٧) لا يقدر عند الحاجة إلى الشيء عليه ، وأما الله تعالى فغير محتاج ولا عاجز فحيث يلقاه (و) (٨) يؤتيه ما يرضى به وزيادة فما معنى الإعداد من قبل؟.
فالجواب : أن الأعداد للإكرام لا للحاجة (٩).
__________________
(١) قاله فخر الدين الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢١٥.
(٢) سقط من «ب».
(٣) قاله في البحر المحيط ٧ / ٢٣٨ والدر المصون ٤ / ٣٩٣.
(٤) تفسير البغوي ٥ / ٢٦٦ المسمى معالم التنزيل.
(٥) المرجع السابق.
(٦) المرجع السابق وانظر : القرطبي ١٤ / ١٩٩.
(٧) قاله الإمام الفخر الرازي في تفسيره التفسير الكبير ٢٥ / ٢١٦.
(٨) الواو ساقطة من الفخر الرازي ومن «ب».
(٩) كذا هي في تفسير الرازي و «أ» هنا. وما في «ب» لا لحاجة بدون ألف التعريف.