فصل(١)
دلت هذه الآية على أن العدة حق الزوج فيها غالب وإن كان لا يسقط بإسقاطه ؛ لما فيه من حق الله تعالى. ثم قال : «فمتّعوهنّ» أي أعطوهنّ ما يستمتعن به قال ابن عباس (٢) : هذا إذا لم يكن سمى لها صداقا فلها المتعة ، وإن كان فرض لها صداقا فلها نصف الصداق ولا متعة لها ، وقال قتادة : هذه الآية منسوخة بقوله : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧] ، قيل : إنه عام وعلى هذا فهل هو أمر وجوب أو أمر استحباب؟ فقيل : للوجوب فتجب المتعة مع نصف المهر ، وقيل : للاستحباب فيستحب أن يمتعها مع الصداق بشيء (٣) ، ثم قال : (وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) أي خلوا سبيلهن بالمعروف من غير ضرار ، وقيل : السراح الجميل : أن لا يطالبها بما آتاها.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) أي مهورهن (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) وقوله : (مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) رد عليك من الكفار بأن تسبي فتملك ، وهذا بيان لما ملكت ، وليس هذا قيدا بل لو ملكت يمينه بالشراء كان الحكم كذا ، وإنّما خرج مخرج الغالب (٤). واعلم أنه ذكر (٥) للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما هو أولى فإن الزوجة التي أوتيت مهرها أطيب قلبا من التي لم تؤت والمملوكة التي سباها الرجل بنفسه أطهر من التي اشتراها الرجل لأنه لا يدري كيف حالها ، ومن هاجرت من أقارب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ معه أشرف ممن لم تهاجر ، وقال بعضهم : إن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ما كان يستوفي ما لا يجب له والوطء قبل إيتاء الصداق غير مستحق وإن كان حلالا لنا وكيف والنبي عليه الصلاة والسلام إذا طلب شيئا حرم الامتناع على المطلوب؟ والظاهر أن الطالب في المرة الأولى إنما هو الرجل لحياء المرأة فلو طلب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من المرأة التمكين قبل المهر للزم أن يجب وأن لا يجب وهو محال ولا كذلك أحدنا ويؤكد هذا قوله : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) يعني حينئذ لا يبقى لها صداق فتصير كالمستوفية مهرها.
واعلم أن اللاتي (٦) ملكت يمينه مثل صفية ، وجويرية ، ومارية (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ) يعني نساء قريش (وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ) يعني نساء بني زهرة (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) إلى المدينة فمن لم تهاجر معه منهم لم يجز له نكاحها ، روى أبو صالح عن أم هانىء أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما فتح مكة خطبني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له
__________________
(١) ساقطة من «أ» وزيادة من «ب».
(٢) ذكره القرطبي في الجامع ١٤ / ٢٠٥ والبغوي والخازن في تفسيريهما ٥ / ٢٦٧ وابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٤٠٢.
(٣) البغوي والخازن ٥ / ٢٦٧.
(٤) المرجعان السابقان.
(٥) ذكره الفخر الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢٢٠.
(٦) في «ب» اللائي بالهمزة وكلاهما صحيح.