فصل
قال المفسرون : هذا يرجع إلى أول الآية أي أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) يغفر الذنوب جميعا ويرحم العبيد.
قوله : «ترجي» أي تؤخر (١)(مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ) أي تضم (٢) إليك (مَنْ تَشاءُ) واختلف المفسرون في معنى الآية فأشهر الأقاويل أنه في القسم بينهن وذلك أن التسوية بينهن في القسم كان واجبا عليه ، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن. قال أبو رزين (٣) وابن زيد نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وطلب بعضهن زيادة النفقة وهجرهن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ شهرا حتى نزلت آية التخيير فأمره الله ـ عزوجل ـ أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة وأن يخلي سبيل من اختارت الدنيا ، ويمسك من اختارت الله ورسوله والدار الأخرة على أنهن أمهات المؤمنين فلا ينكحن أبدا وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن ويرجي من يشاء فيرضين به قسم لهن أو لم يقسم أو قسم لبعض دون بعض أو فضل بعضهن على بعض في النفقة والقسمة فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء وكان ذلك من خصائصه فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط (٤) وذلك لأن النبي (٥) عليه الصلاة والسلام بالنسبة إلى أمته نسبة السّيد المطاع والرجل وإن لم يكن نبيا فالزوجة في ملك نكاحه والنكاح عليها فكيف زوجات النبي بالنسبة إليه فإذن هن كالمملوكات له ولا يجب القسم بين المملوكات. والإرجاء التأخير والإيواء الضم ، واختلفوا في أنه هل أخرج أحدا منهن عن القسم فقيل : لم يخرج أحدا بل كان رسول (٦) الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مع ما جعل الله من ذلك يسوي بينهن في القسم إلا سودة (٧) فإنها رضيت بترك حقها من القسم وجعلت نوبتها لعائشة ، وقيل : أخرج بعضهن (٨) ، روى جرير (٩) عن منصور (١٠) عن أبي رزين قال : لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلّقهنّ ،
__________________
(١ و ٢) انظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة ٢ / ١٣٩.
(٣) أبو رزين : مسعود بن مالك ويقال : ابن عبد الله أبو رزين الكوفي وردت عنه الرواية في حروف القرآن روى عن ابن مسعود وعليّ والأعمش ، انظر : غاية النهاية ٢ / ٢٩٦ وانظر أسباب النزول في القرطبي ١٤ / ٢١٥ وتفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل ٥ / ٢٦٩.
(٤) المرجع الأخير السابق.
(٥) قاله الفخر الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢٢١.
(٦) قاله ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٤٠٨.
(٧) هي سودة بنت زمعة روى لها أبو داود والنسائي ماتت سنة ٥٤ ه. انظر : أعلام النساء ٢ / ٢٦٩.
(٨) المرجع السابق.
(٩) هو جرير بن حازم الأزدي أبو النضر أحد الأعلام عن الحسن وابن سيرين وطاوس ، وابن أبي مليكة وعنه أيوب ، وابن عون وابنه وهب بن جرير مات سنة ١٧٠ ه. وانظر : خلاصة الكمال ٦١.
(١٠) منصور بن المعتمر السلمي أبو عتاب الكوفي أحد الأعلام المشاهير عن إبراهيم ، وأبي وائل وعنه : ـ