تعزل سواء ، لا جناح عليك كما تقول : «من لقيك ممن لم يلقك جميعهم لك شاكر» يريد من لقيك ومن لم يلقك وهذا فيه إلغاز (١).
قوله : «ذلك» أي التفويض إلى مشيئتك (أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ) أي أقرب إلى قرة أعينهن ، والعامة «تقرّ» مبنيا للفاعل مسندا «لأعينهن» وابن محيصن» «تقرّ» من «أقر» ـ رباعيا ـ وفاعله ضمير المخاطب (٢) (و) (٣) «أعينهنّ» ، نصب على المفعول به وقرىء «تقرّ» مبنيا للمفعول (٤) (و) «أعينهنّ» رفع لقيامه مقام الفاعل وتقدم معنى «قرة العين» (٥) في مريم.
قوله : «كلّهن» العامة على رفعه توكيدا لفاعل «يرضين» ، وأبو إياس (٦) بالنصب توكيدا لمفعول «آتيتهنّ» (٧).
فصل
قال المفسرون لا جناح عليك لا إثم عليك ، أباح له ترك القسم لهن حتى إنه ليرجي من يشاء في نوبتها ويطأ من يشاء منهن في غير نوبتها ويرد إلى فراشه من عزلها تفضيلا له على سائر الرجال (ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ) أي ذلك التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله عزوجل ، (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ) أعطيتهن من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) من أمر النساء والميل إلى بعضهن (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي إن أضمرت خلاف ما أظهرت فالله يعلم ضمائر القلوب فإنه عليم وإن لم يعاقبهن (٨) في الحال فلا يغتررن (٩) ، فإنه حليم لا يعجل.
قوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ) قرأ أبو عمرو «لا تحل» بالتأنيث اعتبارا باللفظ والباقون
__________________
(١) السابق والبحر المحيط ٧ / ٢٤٣ وقد رجح أبو حيان الرأيين السابقين الجائزين في «من» فقد قال : «ويجوز أن يكون ذلك توكيدا لما قبله أي ومن ابتغيت ممن عزلت (ومن لم تعزل) سواء لا جناح عليك ...» ثم قال : «والراجح القول الأول».
(٢) قراءة من القراءات الشاذة فوق العشرة المتواترة فقد ذكرت في الإتحاف ٣٥٦ وانظر : البحر ٧ / ٢٤٣ وهي في الكشاف بلا نسبة الكشاف ٣ / ٢٦٩. وقد نسبها ابن خالويه في المختصر له ص ١٢٠.
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) لم تعز في كل من البحر ٧ / ٢٤٣ والكشاف ٣ / ٢٦٩ والجامع لأحكام القرآن ١٤ / ٢١٦.
(٥) قرت عينه تقر : بردت وانقطع بكاؤها واستحرارها بالدمع اللسان : «ق ر ر» ٣٥٨٠.
(٦) هو جؤبة بن عائذ كما ذكره ابن جني في المحتسب.
(٧) من القراءات الشاذة وقد ذكرها ابن جني في المحتسب ٢ / ١٨٢ و ١٨٣ وابن خالويه في المختصر ١٢٠ ، وقد قال ابن جني : «فالمعنيان إذا واحد ، إلا أن الرفع أقوى معنى ، وذلك أن فيه إصراحا من اللفظ بأن يرضين كلهن».
(٨) في «ب» يعاتبهن.
(٩) وفيها يغترون بإسناد الفعل إلى واو الجماعة.