مع أصحابهم لا يمنعهم من ذلك مانع ، ففي أول الأمر أحل الله من وقع في قلبه تفريغا لقلبه ، وتوسعا لصدره لئلا يكون مشغول القلب بغير الله ، ثم لما استأنس بالوحي نسخ ذلك إما لقوله عليه (الصلاة (١) و) السلام الجمع بين الأمرين ، وإما لأنه بدوام الإنزال لم يبق له مألوف من أمور الدنيا فلم يبق له التفات إلى غير الله فلم يبق له حاجة إلى إخلاء (٢) المتزوّج بمن وقع بصره عليها.
قوله : (إِلَّا ما مَلَكَتْ) فيه أوجه :
أحدها : أنه مستثنى من النساء فيجوز فيه وجهان : النصب على أصل الاستثناء والرفع على البدل وهو المختار (٣) ، والثالث : أنه مستثنى من «أزواج» قاله أبو البقاء (٤) ، فيجوز أن يكون في موضع نصب على أصل الاستثناء ، وأن يكون في موضع جر بدلا من «هنّ» (على (٥)) اللفظ ، وأن يكون في موضع نصب بدلا من «هنّ» على المحل (٦) ، وقال ابن عطية إن كانت (ما (٧)) مصدرية فهي في موضع نصب لأنه من غير الجنس (٨) وليس بجيد ؛ لأنه قال بعد ذلك (٩) والتقدير : إلا ملك اليمين ، و «ملك» بمعنى مملوك انتهى. وإذا كان بمعنى مملوك صار من الجنس وإذا صار من الجنس لم يكن منقطعا على أنه على تقدير انقطاعه لا يتحتم نصبه ، بل يجوز عند تميم الرفع بدلا والنصب على الأصل كالمتصل بشرط صحة توجه العامل إليه (١٠) كما تقدم تحقيقه (١١) ، وهذا يمكن توجه العامل إليه ، ولكن اللغة المشهورة لغة الحجاز وهو لزوم النصب في المنقطع مطلقا ، كما ذكره أبو محمد آنفا (١٢).
فصل
قال ابن عباس ملك بعد هؤلاء مارية (١٣) ، و (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) حافظا عالما بكل شيء قادرا عليه ، وفي الآية دليل على جواز النظر إلى من يريد نكاحها من
__________________
(١) زيادة من «ب» على «أ» والفخر.
(٢) في تفسير الفخر : «إحلال التزوج».
(٣) ذكره ابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٧٢ ومشكل الإعراب لمكي ٢ / ٢٠٠ وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٣٢٢ والتبيان ١٠٥٩.
(٤) التبيان المرجع السابق ١٠٦٠.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من «ب».
(٦) هذا شرح لعبارة أبي البقاء قاله السمين في الدر المصون ٤ / ٣٩٩.
(٧) سقطت من «ب».
(٨) نقله عنه أبو حيان في بحره ٧ / ٢٤٥.
(٩) هذا هو اعتراض أبي حيان عليه في البحر ٧ / ٢٤٥.
(١٠) بقية معنى كلام أبي حيان في البحر ٧ / ٢٤٥ على ابن عطية.
(١١) لعله يقصد قول الله ـ عزوجل ـ : «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ» وهي الآية «٩٨» من نفس السورة «يونس».
(١٢) وأبو محمد هنا هو ابن عطية فتلك كنيته.
(١٣) زاد المسير ٦ / ٤١٠.