الطعام بغير الإذن وإما أن لا يكون فيه تقديم وتأخير فيكون معنى (١) : ولا تدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلى طعام فيكون الإذن مشروطا بكونه إلى طعام فإن لم يؤذن إلى طعام فلا يجوز الدخول فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام لا يجوز (٢) فنقول المراد هو الثاني ليعم النهي عن الدّخول ، وأما كونه (٣) لا يجوز إلا بإذن (٤) إلى طعام فلما تقدم في سبب النزول أن الخطاب مع قوم كانوا يتحيّنون حين الطعام ويدخلون من غير إذن فمنعوا من الدخول في وقتهم (٥) بغير إذن ، والأولى أن يقال المراد هو الثاني لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل. وقوله : (إِلى طَعامٍ) من باب التخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه لا سيما إذا علم أن غيره مثله فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه ، جاز دخوله إلى غير طعامه (٦) فإن غير الطعام يمكن وجوده مع الطعام فإن من الجائز أن يتكلم معه وقت ما يدعوه إلى الطعام ويستعينه (٧) (٧) في حوائجه ويعلمه مما عنده من العلوم مع زيادة الطعام (٨) فإن رضي بالكل فرضاه بالبعض أقرب إلى العقل (٩) فيصير من باب : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) [الإسراء : ٢٣] وقوله: (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(١٠) أي لا تنتظروا وقت الطعام فإنه ربما لا يتهيّأ (١١).
فصل
لا يشترط في الإذن التصريح به بل إذا حصل العلم بالرضا جاز الدخول ولهذا قال : (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ) من غير بيان فاعل فالآذن إن كان الله أو النبي أو العقل المؤيد بالدليل جاز والنقل دال عليه حيث قال : (أَوْ صَدِيقِكُمْ) [النور : ٦١] فلو جاء الرجل وعلم أن لا مانع في البيت من يكشف أو بحضور (١٢) غير محرم أو علم خلو الدار من الأهل (١٣) وهي محتاجة إلى إطفاء حريق فيها أو غير ذلك جاز الدخول وفي معنى البيت موضع مباح (١٤) اختاره شخص لعبادته أو اشتغاله بشغل فيأتيه أحد ويطيل المكث عنده (١٥).
قوله : (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) يجوز أن يكون منصوبا عطفا على «غير» أي لا
__________________
(١) في «ب» والرازي «معناه» بالضمير.
(٢) في تفسير الفخر : «نقول» بدون الفاء.
(٣) وفيه : «وأما قوله فلا يجوز».
(٤) وفيه : إلا بالإذن الذي إلى طعام.
(٥) وفيه «في وقته».
(٦) وفيه «طعامه بإذنه».
(٧) في «ب» والفخر : «ويستقصيه».
(٧) في «ب» والفخر : «ويستقصيه».
(٨) وفيه : «إلا طعام».
(٩) في الفخر : «الفعل».
(١٠) سقطت من الفخر.
(١١) انظر في هذا كله تفسير ابن الخطيب الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٤.
(١٢) في «ب» حضور.
(١٣) في «ب» الأصل.
(١٤) في «ب» بيت بدل من «مباح».
(١٥) انظر : تفسير الرازي ٢٥ / ٢٢٤ و ٢٢٥.