الموضع لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم فقال إن الله شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض فخلوتكم مثل ملئكم بشهادة الله تعالى فاتقوا (١) الله فإنه شهيد على أعمال العباد.
قوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) العامة على نصب «الملائكة» نسقا على اسم «إن» و «يصلّون» هل هو خبر عن (اللهَ وَمَلائِكَتَهُ) أو عن «الملائكة» فقط ، وخبر الجلالة محذوف لتغاير الصلاتين خلاف (٢). وقرأ ابن عباس ورويت (٣) عن أبي عمرو : وملائكته رفعا (٤) فيحتمل أن يكون عطفا على محل اسم «إنّ» عند بعضهم (٥) ، وأن يكون مبتدأ والخبر محذوف وهو مذهب البصريين (٦) ، وقد تقدم فيه بحث نحو : زيد ضارب وعمرو أي ضارب في الأرض.
فصل
لما أمر (٧) بالاستئذان وعدم النظر إلى نسائه احتراما له كمل بيان حرمته وذلك أن حالاته منحصرة في حالتين حالة خلوة فذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) وحالة بكونه في ملأ والملأ إما الملأ الأعلى وإما الملأ الأدنى أما احترامه في الملأ الأعلى فإن الله وملائكته يصلون عليه ، وأما احترامه في الملأ الأدنى فقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
فصل
قال ابن عباس : أراد أنّ الله يرحم النبي والملائكة يدعون له ، وعن ابن عباس
__________________
(١) قاله الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٧.
(٢) تقدم عند قوله تعالى : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» من الآية ٤٣ من نفس السورة.
(٣) هو محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي رويس المقرىء ، قرأ على يعقوب الحضرميّ تصدر للإقراء قرأ عليه محمد بن هارون التمار وأبو عبد الله الزبيري مات بالبصرة سنة ٢٣٨ ه ، انظر : معرفة القراء الكبار للذهبي ١ / ٢١٦ وغاية النهاية ٢ / ٢٣٤ و ٢٣٥.
(٤) لم ترد هذه القراءة مروية عن أبي عمرو في السبع أو العشر المتواترة كما لم ترد عن طريق الأربع الشواذ فوق العشرة وعلى ذلك فهي غير متواترة انظر : مختصر ابن خالويه ١٢٠ والكشاف ٣ / ٢٧٢.
(٥) وهو ما يسمى بالعطف على المحل وهو القسم الثاني من أقسام العطف وقول ه «عند بعضهم» أي بعض البصريين لأن للعطف على المحل شروطا ثلاثة معروفة من بينها وجوب المحرز ـ أي الطالب لذلك المحل والطالب لرفع لفظ الجلالة ـ وهو الله ـ هو الابتداء والابتداء هو التجرد والتجرد قد زال بدخول «إنّ» ولكن الكوفيين أجازوا تلك المسألة وشبيهتها لأنهم لم يشترطوا المحرز ، ولأن «أن» لم تعمل عندهم في الخبر شيئا بل هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها.
(٦) لأنهم يشترطون في العطف على المحل وجود المحرز كما قلت.
(٧) تفسير الرازي ٢٥ / ٢٢٧.