قوله : (وَنَجِّنِي) المنجّى منه محذوف لفهم المعنى ، أي : مما يحلّ بقومي (١) ، و (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بيان لقوله : (مَنْ (٢) مَعِيَ).
قوله : (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ).
قال الزمخشري : الفلك : السفينة ، واحدها : فلك ، قال الله تعالى : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) [النحل : ١٤] فالواحد بوزن (قفل) (٣) والجمع بوزن (أسد) (٤) والمشحون : «المملوء الموقر» ، يقال : شحنها عليهم خيلا ورجالا أي ملأها (٥) والشّحناء : العداوة لأنهما تملأ الصدور إحنا(٦). والفلك هنا مفرد بدليل وصفه بالمفرد ، وقد تقدم الكلام عليه في البقرة (٧).
فصل
دلّت الآية على أن الذين نجوا معه كان فيهم كثرة ، وأن الفلك امتلأ بهم وبما صحبهم من الحيوانات ، ثم إنه تعالى بعد أن نجاهم أغرق الباقين فقال : (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(٨).
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١٤٠)
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) الآيات. الكلام في فاتحة هذه القصة كالكلام في فاتحة قصة نوح. وقوله : (تَعْبَثُونَ) جملة حالية من فاعل «تبنون» (٩). والرّيع ـ بكسر الراء وفتحها ـ : جمع «ريعة» وهو في اللغة : المكان المرتفع (١٠) ، قال ذو الرمّة :
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢.
(٢) في ب : ومن.
(٣) في النسختين : فعل. والتصويب من الكشاف.
(٤) الكشاف ٣ / ١٢١.
(٥) ما بين القوسين زيادة يظهر بها المعنى.
(٦) انظر اللسان (شحن).
(٧) عند قوله تعالى : ... «وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ» [البقرة : ١٦٤].
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٥ ـ ١٥٦.
(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٩٩.
(١٠) انظر اللسان (ريع).