قوله (١) : «ملعونين» مطرودين من باب الله وبابك ، وإذا خرجوا لا ينفكّون عن الذلة ولا يجدون ملجأ بل أينما يكونون يؤخذون ويقتلون ، وهذا ليس بدعا بل هو سنة جارية وعادة مستمرة تفعل بالمكذبين (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي ليست هذه السنة مثل الحكم الذي يتبدل وينسخ فإن النسخ يكون في الأقوال أما الأفعال إذا وقعت والأخبار لا تنسخ.
قوله : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) لما بين حالهم في الدنيا أنهم يلعنون ويهانون ويقتلون أراد أن يبين حالهم في الآخرة ، فذكرهم بالقيامة وما يكون لهم فيها فقال : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) أي إن وقت القيامة علمه عند الله لا يبين لهم فإن الله أخفاها لحكمة وهي امتناع المكلف عن الاجتراء وخوفهم منها في كل وقت.
قوله : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ) الظاهر أن «لعل» تعلق كما تعلق التمني و «قريبا» خبر كان على حذف موصوف أي شيئا قريبا ، وقيل : التقدير : قيام الساعة فروعيت «الساعة» في تأنيث «يكون» وروعي المضاف المحذوف في تذكير «قريبا» وقيل : «قريبا» أكثر استعماله استعمال الظروف فهو هنا ظرف في موضع الخبر (٢). وقال ابن الخطيب : فعيل يستوي فيه المذكّر والمؤنث قال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] أي لعلّ الساعة تكون قريبة.
فصل
المعنى أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى يكون قيامها أي أنت لا تعرفه لعل الساعة تكون قريبا. وهذا إشارة إلى التخويف ، ثم قال : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) أي كما أنهم ملعونون في الدنيا عندكم فكذلك هم يلعنون عند الله وأعد لهم سعيرا كما قال : (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً خالِدِينَ فِيها أَبَداً) مطيلين المكث فيها مستمرين ، وقوله «فيها» أي في السعير لأنها مؤنثة ، أو لأنه في معنى «جهنم» (٣) «ولا يجدون وليا ولا نصيرا» حال ثانية (٤) ، أو من «خالدين» لا يجدون وليا ولا نصيرا أي لا صديق يشفع لهم ، ولا ناصر يدفع عنهم.
قوله : «يوم» معمول «لخالدين» (٥) أو لمحذوف ، أو «لنصير» أو «لاذكر» ، أو ل «يقولون» بعده (٦) ، وقرأ العامة تقلّب ـ مبنيّا للمفعول (و) وجوههم رفع على ما لم
__________________
(١) في «ب» فصل بدل «قوله».
(٢) المرجعان السابقان.
(٣) الدر المصون ٤ / ٤٠٤.
(٤) وكانت الأولى هي قوله : «خالدين فيها لا يجدون وليا ولا نصيرا» ، وانظر المرجع السابق.
(٥) وهو قوله : «خالِدِينَ فِيها» الآية ٦٥ من السورة الحالية.
(٦) المرجع السابق وقد اقتصر أبو البقاء في التبيان على ثلاثة أوجه فقال في ١٠٦١ يجوز أن يكون ظرفا ل «لا يجدون» أو «نصيرا» أو «ليقولون».