ائتمن آدم وأولاده على شيء وائتمن أهل السماوات والأرض والجبال على شيء فالأمانة في حق بني آدم ما ذكرنا من الطاعة والقيام بالفرائض والأمانة في حق السموات والأرض هي الخضوع والطاعة لما خلقهم له ، (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) أي أدين الأمانة يقال فلان لم يتحمل الأمانة أي يخون فيها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) أي خان فيها ، ويقال : فلان حمل الأمانة أي أثم فيها بالخيانة قال تعالى : وليحملن أثقالهم ، (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) حكي عن الحسن على هذا التأويل أنه قال : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) يعني الكافر والمنافق حمل الأمانة أي خان ، والأول قول السلف (١).
قوله : «ليعذّب» متعلق بقوله : (وَحَمَلَهَا) فقيل : هي لام الصيرورة لأنه لم يحملها لذلك(٢) ، وقيل : لام العلة على المجاز لما كانت نتيجة حمله ذلك جعلت كالعلة (٣) الباعثة.
فصل
قال مقاتل : ليعذّب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات بما خانوا الأمانة ونقضوا الميثاق(٤). ثم قال : (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ، قرأ الأعمش برفع «ويتوب» (٥) على الاستئناف أي يهديهم ويرحمهم بما أدوا من الأمانة ، وقال ابن قتيبة (٦) عرضنا الأمانة ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله ويظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه أي يعود عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير (٧) في الطاعات. وعطف المشرك على المنافق ولم يعد اسمه تعالى فلم يقل : «ويعذب الله المشركين» وعند التوبة أعاد اسمه وقال : (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ولو قال : يتوب على المؤمنين والمؤمنات كان المعنى حاصلا ولكنه أراد تفضيل المؤمن على
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٨٠ و ٢٨١.
(٢) هذا يشبه قول أبي حيان في البحر المحيط ٧ / ٢٥٤ : «لأنه لم يحملها لأن يعذب لكنه حملها فآل الأمر إلى أن يعذب من نافق وأشرك ويتوب على من آمن». وانظر تفسير السمين ٤ / ٤٠٦. وهذه اللام هي التي نسميها لام العاقبة كقوله تعالى :«فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا».
(٣) وهو قول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٧٧ قال : واللام في ليعذب لام التعليل على طريق المجاز لأن التعذيب نتيجة حمل الأمانة كما أن التأديب في «ضربته للتأديب» نتيجة الضرب واللام متعلقة ب «حمل» أو ب «عرضنا».
(٤) ذكره البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٨١.
(٥) هذه قراءة من الأربع فوق العشرة المتواترة انظر : الإتحاف ٣٥٦ والقرطبي ١٤ / ٢٥٨ وقد نسبها للحسن. والكشاف ٣ / ٢٧٧ والبحر ٧ / ٢٥٤ ومختصر ابن خالويه ١١١.
(٦) هو : عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحويّ اللغوي الكاتب كان رأسا في العربية واللغة والأخبار ثقة دينا فاضلا أخذ عن أبي إسحاق بن راهويه وأبي حاتم وعنه ابنه القاضي أحمد وابن درستويه من مصنفاته : إعراب القرآن ، معاني القرآن ، غريب القرآن مات سنة ٣٦٧ انظر : بغية الوعاة ٢ / ٦٣.
(٧) انظر : غريب القرآن له ٣٥٢ وتأويل مشكل القرآن أيضا له ٢٣٨.