قال شهاب الدين : ولم يجر «خاضعين» في اللفظ والمعنى إلا على من هو له ، وهو الضمير في «أعناقهم» ، والمسألة التي قائلها : هي أن يجري الوصف على غير من هو له في اللفظ دون المعنى ، فكيف يلزم ما ألزمه به ، على أنه لو كان كذلك لم يلزم ما قاله ، لأن (١) الكسائي والكوفيين (٢) لا يوجبون إبراز الضمير في هذه المسألة (٣) إذا أمن اللبس ، فهو (لا) (٤) يلتزم ما ألزمه به ، ولو ضعفه بمجيء الحال من المضاف إليه لكان أقرب ، على أنه لا يضعف ؛ لأن المضاف جزء من المضاف إليه كقوله : (ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً)(٥).
قوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩)
قوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) وعظ وتذكر (مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) أي : محدث إنزاله فهو محدث في التنزيل. قال الكلبي : «كلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول»(٦).
وقوله : (إِلَّا كانُوا) جملة حالية ، وتقدم تحقيق هذا وما قبله في أول الأنبياء (٧). ومعنى «معرضين» أي : عن الإيمان به.
قوله : (فَقَدْ كَذَّبُوا) أي : بلغوا النهاية في رد آيات الله ، «فسيأتيهم» أي : فسوف يأتيهم «أنباء» : أخبار وعواقب (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وذلك إما عند نزول العذاب عليهم في الدنيا ، أو عند المعاينة في الآخرة كقوله تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(٨). قوله (٩) : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أي : صنف ، والكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه ، يقال : «وجه كريم» إذا كان مرضيا في حسنه وجماله. و «كتاب
__________________
(١) في ب : إلا أن.
(٢) في ب : والكوفيون.
(٣) ذهب الكوفيون إلى أن الضمير في اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له نحو قولك : هند زيد ضاربته هي لا يجب إبرازه. وذهب البصريون إلى أنه يجب إبرازه ، وأجمعوا على أن الضمير في اسم الفاعل إذا جرى على من هو له لا يجب إبرازه. انظر الإنصاف ١ / ٥٧ ـ ٥٨ المسألة (٨).
(٤) لا : زيادة يتم بها المعنى.
(٥) [الحجر : ٤٧]. الدر المصون ٥ / ١٥٠. وهذا التنظير بناء منه على القول بأن «خاضعين» حال ، وانظر البيان ٢ / ٢١١ ـ ٢١٢.
(٦) انظر البغوي ٦ / ٢٠٦.
(٧) عند قوله تعالى : «ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ» الآية [٢].
(٨) [ص : ٨٨] انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١١٩ ـ ١٢٠.
(٩) في ب : قوله تعالى.