دون قوله : «أم لم تعظ» لتواخي الفواصل (١). وأبدى له الزمخشري معنى فقال : وبينهما فرق ، لأن المعنى : سواء علينا أفعلت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلا من أهله ومباشريه ، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك : «أم لم تعظ» (٢).
وقرأ العامة : «أوعظت» (٣) بإظهار الظاء قبل التاء. وروي عن أبي عمرو والكسائي وعاصم ، وبها قرأ الأعمش وابن محيصن بالإدغام (٤). وهي ضعيفة (٥) ، لأن الظاء أقوى ، ولا يدغم الأقوى في الأضعف ، على أنه قد جاء من هذا في القرآن العزيز أشياء متواترة يجب قبولها نحو : (زُحْزِحَ عَنِ)(٦) و (لَئِنْ بَسَطْتَ)(٧).
فصل
لما وعظهم ورغبهم وخوفهم أجابوه بقولهم : (سَواءٌ عَلَيْنا) أي : مستو عندنا أوعظت أم لم تكن من الواعظين أظهروا قلة اكتراثهم بكلامه (٨) ، ثم قالوا : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ). قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الخاء وسكون اللام ، أي : اختلاق الأولين وكذبهم ، كقوله : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)(٩) والباقون بضمتين (١٠). فقيل : معناهما : الاختلاق ، وهو الكذب. وكذا قرأ ابن مسعود (١١). وقيل : عادة الأولين من قبلنا حياة وموت هو (١٢) خلق الأولين وعادتهم (١٣). وروى الأصمعي عن نافع ، وبها قرأ أبو قلابة ضم الخاء وسكون اللام (١٤) ، وهي تخفيف المضمومة. ثم قالوا : (وَما نَحْنُ
__________________
(١) في النسختين : القوافي. والأدق ما أثبته.
(٢) الكشاف ٣ / ١٢٢.
(٣) في ب : وعظت.
(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٣.
(٥) حكم أبو حيان على هذه القراءة بأنها خلاف الأفصح ، فإنه قال في معرض حديثه عنها : (وإن كان غيرها هو أفصح وأقيس) البحر المحيط ٧ / ٣٣ ، وسبيويه ذكر أن مثل هذا الإدغام جائز فإنه قال : (وكذلك الظاء لأنهما إذا كانا منفصلين ، يعني الظاء وبعدها التاء ، جاز البيان ، ويترك الإطباق على حاله إن أدغمت ، فلما صارا في حرف واحد ازداد ثقلا ، إذ كانا يستثقلان منفصلين ، فألزموها ما ألزموا الصاد والتاء ، فأبدلوا مكانها أشبه الحروف بالظاء وهي الطاء ليكون العمل من وجه واحد) الكتاب ٤ / ٤٦٨ ، وظاهر هذا أنها تنطق : أوعطّ. والفراء ذكر أنهم قد يحولون الظاء تاء في قوله : «أوعت أم لم تكن من الواعظين». معاني القرآن ٢ / ٢٨٩. وظاهر كلام الفراء أن مثل هذا لغة من لغات العرب.
(٦) من قوله تعالى : «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ»[آل عمران : ١٨٥].
(٧) من قوله تعالى : «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ»[المائدة : ٢٨].
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٧.
(٩) من قوله تعالى : «إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً»[العنكبوت : ١٧].
(١٠) السبعة (٤٧٢) ، الكشف ٢ / ١٥١ ، النشر ٢ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦ ، الإتحاف (٣٣٣).
(١١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٣ ـ ٣٤.
(١٢) في ب : وهو.
(١٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٤.
(١٤) المختصر (١٠٧) ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٣٧ ، البحر المحيط ٧ / ٣٤.