وغلط بعضهم فجعل ذلك من قولهم : قلى اللّحم ، أي شواه ، فكأنه قلى كبده بالبغض ووجه الغلط أن هذا من ذوات الياء ، وذاك من ذوات الواو.
يقال : قلى اللحم يقلوه قلوا ، فهو قال كغاز ، و «مقلوّ» (١) كما تقدم](٢). ثم دعا فقال : (رَبِ (٣) نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) من العمل الخبيث.
قال الله تعالى : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) من عقوبة عملهم (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) وهي امرأة لوط ، بقيت في الهلاك والعذاب. فإن قيل : (فِي الْغابِرِينَ) صفة لها ، كأنه قيل : إلّا عجوزا [غابرة ، وإن لم يكن الغبور صفتها وقت تنجيتهم؟ فالجواب : معناه : إلّا عجوزا](٤) مقدرا غبورها. قيل: إنما هلكت مع من خرج من القرية بما أمطر من الحجارة (٥). (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أي : أهلكناهم (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) والمخصوص بالذم محذوف ، أي : (مطرهم) (٦)(٧) قال وهب بن منبه : الكبريت والنار (٨). (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
فصل
قال القاضي عبد الجبار في تفسير قوله : (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) دليل على بطلان الجبر من وجوه :
الأول : أنه لا يقال : «تذرون» إلّا مع القدرة على خلافه ، ولذلك لا يقال للمرء : لم تذر الصعود إلى السماء ، كما يقال : لم تذر (الدخول و) (٩) الخروج.
الثاني : أنه قال : (ما خَلَقَ لَكُمْ) ولو كان الفعل لله تعالى لكان الذي خلقه لهم ما خلقه فيهم وأوجبه لا ما لم يفعلوه.
الثالث : قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) فإن كان تعالى خلق فيهم ما كانوا يعملون ، فكيف ينسبون إلى أنهم تعدوا؟ وهل يقال للأسود : إنك متعد في لونك؟ وأجيب بأن حاصل هذه الوجوه يرجع إلى أن العبد لو لم يكن موجدا لأفعال نفسه لما
__________________
ـ مفعول من (قلى) والأصل : مقلوي. قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، وكسر ما قبل الياء للمناسبة ، لأنه إذا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون تقلب الواو ياء ، وتدغم الياء في الياء.
(١) قال أبو حيان : (ولا يكون (قلى) بمعنى أبغض وقلا من الطبخ والشيّ من مادة واحدة لاختلاف التركيب ، فمادة (قلا) من الشيّ من ذوات الواو ، تقول : قلوت اللحم فهو مقلو ، ومادة (قلى) من البغض من ذوات الياء ، قليت الرجل فهو مقليّ قال الشاعر : ولست بمقليّ الخلال ولا قال) البحر المحيط ٧ / ٣٦.
(٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(٣) رب : سقط من ب.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦١.
(٦) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٧.
(٧) ما بين القوسين في ب : أمطرنا عليهم.
(٨) انظر البغوي ٦ / ٢٣٥.
(٩) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.