فصل
لما ذكر قصص الأنبياء لمحمد ـ عليهالسلام (١) ـ أتبعه بما يدل على نبوته فقال : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) لأنه (٢) لفصاحته معجز فيكون من رب العالمين. وأيضا فلأنه إخبار عن الأمم الماضية من غير تعلم ألبتة ، وذلك لا يكون إلّا بوحي من الله تعالى. وأيضا فقوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) مؤكد لما ذكرنا ، لأن ذكر هذه القصص على ما هي في زبر الأولين من غير تفاوت أصلا مع أنه لم يشتغل بالتعلم والاستفادة دليل على أنه ليس إلا من عند الله (٣) ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)(٤) على قلبك يا محمد ، أي (٥) : فهمك إياه وأثبته في قلبك كي لا تنساه كقوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) [الأعلى : ٦] (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) : المخوّفين. وسمي جبريل روحا ، لأنه خلق من الروح. وقيل: لأنه نجاة الخلق في باب الدين ، فهو كالروح التي تستتبع الحياة. وقيل : لأنه روح كله ، لا كالناس في أبدانهم روح (٦). وسماه أمينا لأنه مؤتمن على ما يؤديه للأنبياء ـ (عليهمالسلام (٧)) (٨) ـ.
فصل
روي أنّ جبريل ـ عليهالسلام ـ نزل على آدم ـ عليهالسلام (٩) ـ اثنتا عشرة مرة ، وعلى إدريس أربع مرات ، وعلى نوح خمسين مرة ، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة ، وعلى موسى أربعمائة مرة ، وعلى عيسى عشر مرات وعلى محمد ـ عليهالسلام ـ أربع عشرة ألف مرة. فإن قيل : لم قال : (عَلى قَلْبِكَ) وهو إنما أنزل عليه؟
فالجواب : ليؤكد أنّ ذلك المنزل محفوظ للرسول (١٠) متمكن من قبله لا يجوز عليه التغيير ، ولأنّ القلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختيار ، وأما سائر الأعضاء فمسخّرة له ، ويدل على ذلك القرآن والحديث والمعقول ، أما القرآن فقوله تعالى : (نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ) [البقرة : ٩٧] ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق : ٣٧] واستحقاق الجزاء ليس إلّا على ما في القلب ، قال تعالى (١١) : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة : ٢٢٥] (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) [الحج : ٣٧] والتقوى في القلب لقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) [الحجرات : ٣] وقوله : (وَحُصِّلَ ما فِي
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) في ب : لأن.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٥.
(٤) الأمين : سقط من ب.
(٥) أي : سقط من ب.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٦.
(٧) المرجع السابق.
(٨) ما بين القوسين في ب : عليهم الصلاة والسلام.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) كذا في الفخر الرازي ، وفي الأصل : والمرسل ، وفي ب : والرسول.
(١١) في ب : قال الله تعالى.