وعن ابن عباس قال : لما نزلت : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) خرج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه ، فقالوا : من هذا؟ فاجتمعوا (١) إليه ، فقال : «أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدّقيّ»؟ قالوا : ما جرّبنا عليك كذبا. قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبّا لك (٢) ما جمعتنا إلا لهذا ، ثم قام ، فنزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ)(٣) [المسد : ١].
قوله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) : ألن جانبك (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). واعلم أن الطائر إذا أراد أن ينحط كسر جناحه وخفضه ، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه ، فجعل خفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب (٤).
قوله : (فَإِنْ عَصَوْكَ) : في هذه الواو وجهان :
أحدهما : أنها ضمير الكفار ، أي : فإن عصاك الكفار في أمرك لهم بالتوحيد.
والثاني : أنها ضمير المؤمنين ، أي : فإن عصاك المؤمنون في فروع الإسلام وبعض الأحكام بعد تصديقك والإيمان برسالتك ، وهذا في غاية البعد (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (من الكفر وعبادة غير الله) (٥)(٦).
فصل
قال الجبّائيّ : هذا يدل على أنه ـ عليهالسلام (٧) ـ كان بريئا من معاصيهم ، وذلك يوجب أن الله تعالى أيضا بريء من عملهم كالرسول ، وإلا كان مخالفة لله ، كما لو رضي عن شخص فإن الله راض عنه ، وإذا كان تعالى بريئا من عملهم فلا يكون فاعلا له. والجواب (٨) : أنه تعالى بريء من المعاصي ، بمعنى أنه ما أمر بها بل نهى عنها ، فأما بمعنى أنه لا يريدها فلا نسلم ، بدليل أنه علم وقوعها ، وكل ما كان معلوم الوقوع فهو واجب الوقوع ، وإلّا لانقلب علمه جهلا ، وهو محال ، والمفضي إلى المحال محال ، وعلم ما هو واجب الوقوع لا يراد عدم وقوعه ، فثبت قولنا (٩).
قوله : (وَتَوَكَّلْ). قرأ نافع وابن عامر بالفاء. والباقون بالواو (١٠).
__________________
(١) في ب : واجتمعوا.
(٢) التّبّ : الخسار ، والتّباب : الخسران والهلاك ، وتبّا له على الدعاء ، نصب ، لأنه مصدر محمول على فعله ، كما تقول : سقيا لفلان ، معناه سقي فلان سقيا. اللسان (تبب).
(٣) أخرجه البخاري (تفسير) ٣ / ١٧١ ، ١٧٩ ، ٢٢٢ الترمذي (تفسير) ٥ / ١٢١ ، أحمد ١ / ٢٨١ ، ٣٠٧.
(٤) انظر الكشاف ٣ / ١٢٩ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٧٣.
(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٧.
(٦) ما بين القوسين سقط من ب.
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) في ب : فالجواب.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٧٣.
(١٠) السبعة (٤٧٣) ، الكشف ٢ / ١٥٣ ، النشر ٢ / ٣٣٦ ، الإتحاف (٣٣٤).