ويجوز أن يعود على (كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) من حيث إنه جمع في المعنى ، فتكون الجملة إما مستأنفة ، وأما صفة ل (كُلِّ أَفَّاكٍ)(١). ومعنى الإلقاء ما تقدم.
وقال أبو حيان : حال عود الضمير على «الشّياطين» ، وبعد ما ذكر المعنيين المتقدمين في إلقاء السمع قال : فعلى معنى الإنصات يكون «يلقون» استئناف إخبار ، وعلى إلقاء المسموع إلى الكهنة يحتمل الاستئناف ، واحتمل الحال من «الشّياطين» أي : تنزّل على كلّ أفّاك أثيم ملقين ما سمعوا (٢). انتهى.
وفي تخصيصه الاستئناف بالمعنى الأول وتجويزه الوجهين في المعنى الثاني نظر ، لأنّ جواز الوجهين جار في المعنيين فيحتاج في ذلك إلى دليل. فإن قيل : كيف قال : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) بعد ما حكم عليهم أنّ كل واحد منهم أفّاك؟
فالجواب : أنّ الأفاكين هم الذين يكثرون الكذب ، لا أنهم الذين لا ينطقون إلا بالكذب ، فأراد أن هؤلاء الأفاكين قلّ من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني ، وأكثرهم يفتري عليه (٣).
قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(٢٢٧)
قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ). قد تقدم أن نافعا يقرأ بتخفيف التاء ساكنة وفتح الباء في سورة الأعراف عند قوله : (لا يَتَّبِعُوكُمْ)(٤) والفرق بين المخفف والمثقل (٥). وسكن الحسن العين (٦) ، ورويت عن أبي عمرو ، وليست ببعيدة عنه ك «ينصركم» (٧) وبابه (٨) وروى هارون(٩) عن بعضهم (١٠) نصب العين ، وهي غلط (١١) ،
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) المرجع السابق بتصرف يسير.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٣٠ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٧٥.
(٤) من قوله تعالى : «وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ» [الأعراف : ١٩٣].
(٥) وذكر هناك أن نافعا قرأ بالتخفيف «يتبعوكم» وكذا هنا «يتبعهم» والباقون بالتشديد «يتّبعهم» قيل : هما لغتان. وقيل : تبع بمعنى اقتفى أثره واتبعه بالتشديد اقتدى به ، والأول أظهر. انظر اللباب ٤ / ١٣٤.
(٦) المختصر (١٠٨) ، الكشاف ٣ / ١٣١ ، البحر المحيط ٧ / ٤٨.
(٧) من قوله تعالى :«إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ»[آل عمران : ١٦٠].
(٨) أي تخفيف الضم بالإسكان. انظر السبعة (١٥٦) ، المختصر (١٠٨) الكشف ١ / ٢٤٠ ، البحر المحيط ٧ / ٤٨.
(٩) في ب : أبو هارون.
(١٠) هو يعقوب كما في المختصر (١٠٨).
(١١) قال أبو حيان : (وروى هارون نصبها عن بعضهم ، وهو مشكل) البحر المحيط ٧ / ٤٨ ـ ٤٩.