والقول بأن الفتحة للإتباع خطأ. والعامة على رفع «الشّعراء» بالابتداء ، والجملة بعده الخبر (١). وقرأ عيسى بالنصب على الاشتغال (٢).
فصل
لمّا قال الكفار : لم لا يجوز أن يقال : الشياطين تنزل بالقرآن على محمد ، كما أنهم ينزلون بالكهانة على الكهنة ، وعلى الشعراء بالشعر؟ ثم إنه تعالى فرق بين محمد ـ عليهالسلام (٣) ـ وبين الكهنة ، ذكر ههنا ما يدل على الفرق بينه وبين الشعراء : بأن الشعراء يتبعهم الغاوون ، وهم : الضالون. ثم بيّن أنّ ذلك لا يمكن القول به لأمرين :
الأول : (أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) والمراد منه : الطرق المختلفة ، كقولك : أنا في واد وأنت في واد ، وذلك بأنهم قد يمدحون الشيء بعد أن ذمّوه ، وبالعكس ، وقد يعظمونه (٤) بعد ما يستحقرونه (٥) وبالعكس وذلك يدل على أنهم لا يطلبون بشعرهم الحق ولا الصدق ، بخلاف أمر محمد ـ عليهالسلام (٦) ـ فإنه من أول أمره إلى آخره بقي على طريق واحد ، وهو الدعوة إلى الله ، والترغيب في الآخرة ، والإعراض عن الدنيا.
والثاني : (أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ).
وذلك أيضا من علامات الغواية ، فإنهم يرغّبون في الجود ، ويرغبون عنه ، وينفرون عن البخل ويصيرون إليه ، ويقدحون في الناس بأدنى شيء صدر عنهم وعن واحد من أسلافهم. ثم إنهم لا يرتكبون إلا الفواحش ، وذلك يدل على الغواية والضلالة. وأما محمد ـ عليهالسلام (٧) ـ فإنه بدأ بنفسه (فَلا (٨) تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) [الشعراء : ٢١٣] ثم بالأقرب فالأقرب فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤]. وكل ذلك خلاف طريقة الشعراء ، فظهر بهذا البيان أنّ حال محمد ـ عليهالسلام (٩) ـ لم يشبه حال الشعراء (١٠).
قوله : «يهيمون». يجوز أن تكون هذه الجملة خبر «أنّ» وهذا هو الظاهر ، لأنه محط الفائدة ، و (فِي كُلِّ وادٍ) متعلق به. ويجوز أن يكون (فِي كُلِّ وادٍ) هو الخبر ، و «يهيمون» حال من الضمير في الخبر ، والعامل ما تعلق به هذا الخبر ، أو نفس الجار (١١) كما تقدم في نظيره. ويجوز أن تكون الجملة خبرا بعد خبر عند من يرى تعدّد
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١٣٠ ، البحر المحيط ٧ / ٤٨.
(٢) المختصر (١٠٨) ، الكشاف ٣ / ١٣١ ، البحر المحيط ٧ / ٤٨.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) في ب : يعظموه.
(٥) في ب : يستحقروه.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) في النسختين : ولا.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٧٥ ـ ١٧٦.
(١١) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٢.